متوكل دقاش يكتب : راهن القبيلة

متابعات دارفور: السودان

لا تزال القبائل والعصبية القبلية تلعب دورًا مهمًا في العديد من البلدان، بما في ذلك التي يعتقد الكثيرين أنها تجاوزت هذه التشكيلات الاجتماعية. وكما أشار ريتشارد تابر، لا تزال دول عديدة في أوروبا، مثلا، تعرف ظاهرة المحسوبية ومحاباة الأقارب.

والأساسي هنا، أنه مع التحولات التي جلبتها الحداثة، لم يكن أحد يتوقع أن تستمر هذه الظاهرة بقوة حتى اليوم.

حيث كانت القراءات تنحو تجاه تأثر القبائل بالتغيرات الثورية في التكنولوجيا والاتصالات والصناعات العسكرية، وبطبيعة الاقتصاد والسياسة والمجتمع منذ منتصف القرن العشرين. لكن السؤال المهم بالنسبة إلينا كسودانيين هو: متى تبرز القبيلة ولماذا؟ خصوصا وأنها ارتبطت في ذاكرتنا الاجتماعية بكل أشكال العنف: كالتطهير الإثني والابادة الجماعية.في سياق الحرب الحالية مثلا، برزت القبيلة بشكل قوي.

وفي الواقع هناك العديد من التفسيرات التي قدمت لهذه الظاهرة، فهناك من يعتبر ذلك انعكاسا لغياب المشاريع السياسية لدى الفاعلين: أحزاب، وحركات، أو فشل المشروع الوطني وبناء الدولة/الأمة، أو محاولة لحجب الجذور المادية والاقتصادية والسلطوية الفعلية والمعقدة لهذه الحرب.

على الصعيد الشخصي، أميل للتفسير الثاني، مع التأكيد على تماسك الأطروحتين الأخرتين في الوقت ذاته.

لكن، دراسة التاريخ المتناقض للقبائل في العديد من الحالات تظهر أن القبيلة تحافظ، في ظروف النزاع وانعدام الأمن، كما هو الحال في السودان اليوم، على “قيم بقاء” مهمة لمصلحة الناس. بينما في الدول التي تكون فيها الدولة قوية، فإن القبائل، إن بقيت على قيد الحياة، تقوم بأدوار أخرى مختلفة تماما.في هذا السياق، يمكن التأكيد من خلال المشاهدات أن بإمكان القبيلة لعب دورا مزدوجا:

فهي وسيلة للبقاء والنجاة في ظل الفوضى وسيولة مؤسسات الدولة، وأيضًا أداة للمطالبة بالحقوق والمشاركة في الصراع على السلطة. الاقتتال في دارفور، على سبيل المثال، يعكس بوضوح كيف تستخدم القبائل هويتها ومكانتها للحصول على الموارد وحشد المقاتلين والدفاع عن مصالحها.

صحيح أن هناك غطاءات سياسية تحت مسمى حركات وتنظيمات، لكن الذي لا شك فيه أنه، إن كانت “قوات المشتركة” أو “مليشيا الدعم السريع”، هي جيوش تعتمد على قبائل بعينها في التعبئة.طبعا، تاريخ السودان مليء بالنزاعات القبلية التي غالبًا ما ترتبط بالموارد الطبيعية مثل الماء وملكيات الأرض واستخداماتها.

وهو نمط لم يتغير كثيرا، لكن الأزمات السياسية والاقتصادية الأخيرة، بالإضافة إلى معالجات الحكومات المركزية الخاطئة، زادت من تعقيد المشهد القبلي. منذ الاستقلال، شهد السودان سلسلة من الحروب الأهلية، كان أبرزها حرب الجنوب التي استمرت من 1983 حتى 2005، وأدت إلى انفصاله في 2011.

دون أن ننسى حروب دارفور وشرق السودان والنيل الأزرق وجبال النوبة. هذه الحروب خلفت وراءها بنية تحتية مدمرة ونسيجا اجتماعيا هشا وحزازات ثقافية ما زالت تطل برأسها بين الفينة والأخرى.الغريب بالنسبة للكثيرين في الحرب الحالية، أنه حتى التغيرات التكنولوجية لم تستطع إلغاء دور القبائل، بل أعادت تشكيله.

فقد استخدم، حتى الأفراد المستنيرين في السودان وسائل التواصل الحديثة للحشد والتعبئة، وكذلك لتعزيز مواقع قبائلهم والدفاع عن مصالحها. أكثر من ذلك، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي أداة رئيسية لتنسيق الأنشطة، نشر أيديولوجيا القبيلة، وتعزيز التحالفات القبلية.

بالتالي، فإن النتيجة هي: أن الإنترنت والهواتف الذكية وفرا وسائل أسرع وأكثر فعالية للتواصل، مما أدى إلى تعزيز الروابط القبلية بدلاً من إضعافها.إن النظر إلى دور القبائل في السودان في ضوء الحرب الحالية يعكس أهمية الفهم العميق للعصبية القبلية وكيفية تطورها مع مرور الزمن.

فبينما تحافظ القبائل على تقاليدها وقيمها، وضح أن باستطاعتها التكيف أيضا مع المتغيرات الحديثة لتظل فاعلة في سياق النزاعات والحروب. وفي تقديري، ستستمر القبائل في لعب دور مهم في المشهد السياسي الحالي، حيث قد يسعى كل طرف وفاعل إلى استخدام التحالفات القبلية لتحقيق لتحقيق مكاسب سياسية.

في الوقت نفسه، يمكن للقبيلة أن تكون عاملا إيجابيا في عملية السلام إذا تم إشراكها بشكل صحيح في أي حوار سياسي وتقديم حلول مستدامة لمشاكل التهميش والفقر. فالقبائل لديها معرفة محلية وثقافية يمكن أن تسهم في بناء السلام والمصالحة. مثال لذلك، امتلاكها آليات صلح كالقلد، والجودية، والمؤتمرات.

في النهاية، فإن القبيلة في السودان لا تزال تلعب دورا محوريا في تشكيل الديناميات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

والحرب الحالية تسلط الضوء فقط على كيفية تفاعل القبائل مع التغيرات الحديثة، وكيف يمكن أن تكون قوة للحفاظ على الاستقرار أو لتأجيج النزاعات. بالتالي، فالفهم العميق لهذه الديناميات أو الحقائق الاجتماعية يعتبر أساسيا لتحقيق أي سلام في السودان.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد