تقرير : متابعات دارفور
مع دخول الحرب في السودان شهرها التاسع، ومع سيطرة قوات الدعم السريع على معظم مناطق ولاية الجزيرة، بما في ذلك عاصمتها ود مدني، تشهد الأوضاع على الأرض تغيرات متسارعة ، يسود الضباب وتباين في المواقف حول الخروج من هذه الأزمة التي أدت إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص وتشريد نحو 8 ملايين حتى الآن.
وفي غياب تام لأي معلومات أو بيانات واضحة من الجيش الذي يتواجد قادته في مدينة بورتسودان على بعد ألف كيلومتر من الخرطوم، أكدت قوات الدعم السريع سيطرتها على جميع المدن الرئيسية في الطريق بين العاصمة ونهاية ولاية الجزيرة وجنوب ولاية سنار، على بعد أكثر من 300 كيلومتر.
ويعد وصول قوات الدعم السريع إلى ود مدني بولاية الجزيرة في وسط البلاد والسيطرة على مفاتيحها الرئيسية هزيمة جديدة للجيش، تُضاف إلى سلسلة من الهزائم الأخرى التي مني بها خلال الفترة الماضية في كل من الخرطوم ونيالا وزالنجي والجنينة وعدة أماكن في الفاشر وجنوب كردفان، ما يفتح الطريق للوصول إلى مدى عسكري أبعد وتهديد وجود قيادة الجيش والحكومة وكبار المسؤولين في شرق السودان.
وعكس البيان الذي أصدره الجيش الثلاثاء حجم الإرتباك الذي يعيشه، حيث قال إنه سيجري تحقيقا في انسحاب قواته من عاصمة الجزيرة.
وأكدت قوات الدعم السريع الثلاثاء أنها عززت وجودها في ولاية الجزيرة، وسيطرت على مقر رئاسة أمانة حكومة الولاية ومقر الفرقة الأولى مشاة ورئاسة قيادة الجيش فيها، وبسطت نفوذها على مدينة ود مدني ووضعت ارتكازات في مداخلها وانتشرت في أحياء القسم الأول المؤدية إلى ولاية سنار المجاورة للجزيرة في جنوب شرق البلاد.
شرق السودان النقطة الفاصلة
وأصبح نفوذ الجيش الواضح قاصرا حتى الآن على شرق السودان، ولن تكون هذه المنطقة المطلة على البحر الأحمر بمنأى لفترة طويلة عن الحرب في ظل التمدد الجديد في ولاية الجزيرة التي تقع في منتصف الطريق بين الخرطوم والشرق، وتمثل السيطرة عليها أهمية إستراتيجية، وتجعل قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان في وضع حرج، فالتقدم على قواته في عدة مناطق يفرغ خطابه من مضمونه وقدرته على هزْم الدعم السريع.
ويقول مراقبون إن التمركز في ولاية الجزيرة جاء سريعا وعبر جهود عسكرية أقل كلفة، ما يعني أن قوات الدعم السريع كانت على دراية دقيقة بخارطة الولاية ولم تجد فيها مقاومة كافية من الجيش للتصدي لها، وفرّت أعداد كبيرة من عناصره من ساحات القتال، ولم ينحز مئات الآلاف من المواطنين إلى الجيش ولم يبذلوا جهدا للدفاع عنه.
ويضيف المراقبون أن المرحلة المقبلة ستكون أسهل عسكريا لقوات الدعم السريع مع استمرار انتصاراتها، وظهور ما يشبه الانهيار في وحدات الجيش، وبدت الكثير من عناصره مستسلمة ولا تملك أدوات الدفاع عن نفسها، بينما تتصرف قيادة الدعم السريع بفطنة عند دخول كل ولاية لطمأنة سكانها وتوفير الأمن والاستقرار ودحض الاتهامات التي تطالها بشأن ارتكاب تجاوزات أو تنفيذ أجندة خفية.
وذكر المحلل السياسي السوداني سليمان سري أن ما حدث في ولاية الجزيرة أشبه بـ”تسليم وتسلّم للمواقع بين قوات الدعم السريع والجيش الذي ترك مواقعه بعد أن اعتمد على من أسماهم بالمتطوعين ليقودوا القتال بدلاً من عناصره، وظهر ذلك من خلال عمليات الانسحاب التي كانت شاهدة على ترك جميع أسلحة ومعدات الجيش في ولاية الجزيرة، ما يشي بوجود تفاهمات غير معلومة”.
وانسحب أغلب جنود وضباط الجيش السوداني التابعين للفرقة الأولى من الجزيرة واتجهوا نحو ولاية سنار، ونشرت منصات تابعة لقوات الدعم السريع مقاطع فيديو لأعداد كبيرة من جنودها وهم يتجولون في شوارع ود مدني على متن مركبات عسكرية.
وأضاف سري أن سيطرة الدعم السريع على الجزيرة تمهد الطريق للتقدم نحو مناطق عديدة في شرق البلاد، وما حدث يشي بوجود خلافات عميقة بين قياديّي الجيش المؤيدين للدخول في مفاوضات إنهاء الحرب والاتجاه نحو السلام، وبين آخرين يريدون استمرارها، ومن غير المستبعد أن يكون البرهان قصد من وراء تسليم الجزيرة إرسالَ إشارة غاضبة إلى أعوانه تفيد بأن قوات الدعم السريع قريبة منهم إذا لم يستجيبوا للتفاوض والسلام.
ولفت سليمان سري إلى وجود اقتناع بأن الإسلاميين وفلول النظام السابق لديهم نفوذ واسع في أجهزة الدولة يمهد لعملية تطويع الحرب وفقًا لأهدافهم بما يقوّض قيم الثورة السودانية، وقد تجلت معالم هذا المحدد في الاعتداءات المستمرة من جانب أجهزة الاستخبارات العسكرية على المدنيين بدلاً من محاربة قوات الدعم السريع، لأن الهدف إدخال البلاد في فوضى عارمة.
وأكد على أهمية وجود تفاهمات بين قوات الدعم السريع والإدارات الأهلية في ولاية الجزيرة وغيرها من المناطق التي تمت السيطرة عليها.
ودعا بيان للدعم السريع سكان ولاية الجزيرة إلى الشروع فورا في تشكيل لجان مدنية لإدارة ولايتهم، وحث جميع النازحين من الجزيرة على العودة، قائلا “سنعمل للحفاظ على حمايتهم بما يضمن استقرارهم وتأمين وصول المساعدات الإنسانية بتسهيل دخول المنظمات العاملة في الحقل الإنساني”.
الدمازين تستقبل موجات نزوح وسكانها يعبرون الحدود للجنوب
رسم نشطاء وقيادات في المجتمع المدني بإقليم النيل الأزرق صورة قاتمة للأوضاع الإنسانية في الولاية، التي تنذر بمجاعة طاحنة نتيجة لتعقيدات موسم الحصاد وندرة في السلع الضرورية بعد إغلاق عدد كبير من المتاجر، ومغادرة أعداد كبيرة منهم الولاية خوفًا من تمدد النزاع المسلح للولاية، مع استقبال موجات نزوح عالية من ولاية الجزيرة.
ووصفوا الأوضاع الإنسانية في النيل الأزرق بأنها خطيرة وتنذر بمجاعة محتملة مع بداية العام نتيجة عدم استمرار الموسم الزراعي على النحو المقرر له وتعقيدات تواجه موسم الحصاد أبرزها عدم توفير التمويل.
وقال احد النشطاء إن الأحداث التي شهدتها ولاية الجزيرة ألق بظلالها على الولاية حيث أصيب المواطنين بحالة من الهلع والخوف، وهرعت أعداد كبيرة منهم في هجرات عكسية نحو الجنوب عابرين الحدود خوفًا من إغلاقها في وقت مبكر حال وقوع أحداث، بينما أغلق عدد كبير من التجار لمحالهم التجارية، بسبب تلك المخاوف وغادروا الولاية إلى ولايات أخرى آمنة، مشيرًا إلى أن المواطنين يواجهون شح شديد في السلع الضرورية مع إغلاق جزئي للأسواق.
وأبلغ ناشط مجتمعي يوم الاربعاء من الدمازين بتدفق موجات نزوح عالية ولاية الجزيرة، في ظل غياب المنظمات الإنسانية بسبب تعليق عملياتها وإجلاء موظفيها الدوليين وتسريح السودانيين، مع تنصل حكومي واضح مشيرًا إلى أن الحكومة حتى الآن لم تصدر قرار لوضع تدابير لاستقبال النازحين، وقال إن منظمات المجتمع المدني وبعض المبادرات الشبابية القاعدية تحاول التصدي لمواجهة هذه الأزمة برغم شح إمكانياته، وقاموا بإنزال النازحين في المدارس والأندية الرياضية مع توفير بعض الخدمات.
وعلى ذات الصعيد قال ناشط اخر من المجتمع المدني نّ الولاية في حالة تأهب كامل واستعداد أمني مكثف في القوات المسلحة وبقية القوات النظامية، في أعقاب قرار الوالي بإعلان حظر التجوال الليلي. وكشف عن أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الولاية شنت حملة اعتقالات واسعة وسط الباعة الجائلين والفريشة، لمجرد الاشتباه عليهم لكنه أشار إلى أنها اعتقالات على أساس عرقي على غرار ما حدث في ولاية الجزيرة.
اشتباكات متقطعة في الأبيض
و شهدت مدينة الأبيض، عصر الثلاثاء اشتباكات متقطعة في منطقة حي الشريف والبترول وشارع بارا ، و أبلغ مصدر إعلامي أن قوات الدعم السريع لا تزال تحاصر المدينة ، تسببت الاشتباكات المتقطعة في إغلاق المحال التجارية ومن ثم عاد الوضع إلى طبيعته ، وأضاف المصدر إن قوات الدعم السريع، ما زالت متواجدة في حي 13، والشريف والبترول، وعندما يتم تحريك المواتر يقوم القناصين بأطلاق اعيرة نارية، لوجودهم في أسطح البنايات العالية بالمدينة.
توتر في كوستي
و شهدت مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض حالة نزوح من المواطنين إلى خارج المدينة خوفاً من تكرار ما حدث مؤخرا في مدني، بعد انتشار اشاعات بوصول قوات الدعم السريع الي منطقتي الدويم والقطينة .
وقال مصدر في ولاية النيل الأبيض، أن هناك حديث عن وصول قوات الدعم السريع الي منطقة القطينة مما اثار الرعب وسط المواطنين بمدينتي ربك وكوستي الامر الذي ادي الي فرار العديد من المواطنين الي الولايات وإلى ارتفاع أسعار تذاكر السفر ، وأضاف: إن هناك حديث عن احتمال وصولهم إلى كوستي، الأمر الذي أدى إلى فرار المواطنين إلى خارج النيل الأبيض والبعض إلى الأقاليم.
وتابع (هناك حالة من الزعر والخوف في أوساط المواطنين وأضاف أن هناك ارتفاع جنوني في الأسعار بعد أن شهدت الأسواق اغلاق شبه تام.
غرب “الجزيرة” ومعارك في القطينة
و واصلت قوات “الدعم السريع” تمددها وانتشارها في غرب الولاية بإجتياحها عدداً من المدن والقرى على رأسها مدينتا الحصاحيصا وفداسي، وذلك بعد أن كانت قد دخلت مجتاحة مدناً وقرى بالجهة الشرقية، بينما تعيش مناطق ومدن عدة في ولايات السودان المختلفة حالة من القلق والخوف والترقب، إثر إشاعات راجت بكثافة عن تقدم قوات “الدعم السريع” صوب بلدات في ولايات النيل الأبيض وسنار والبطانة.
واجتاحت قوات “الدعم السريع”، أمس الأربعاء مدينة الحصاحيصا على الضفة الغربية للنيل الأزرق واستولت على رئاسة شرطة المحلية، وبحسب لجان مقاومة المدينة، نهبت المنازل وبعض المحال التجارية، بعد أن دخلت المدينة من دون أي اشتباكات لانسحاب قوات الجيش والشرطة منها، وتوغلت في حي المايقوما وبعض الأحياء الطرفية، بجانب دخولها مقر محالج القطن التابعة لمشروع الجزيرة، وسط إطلاق جنود “الدعم السريع” الرصاص احتفالاً وإرهاباً للمواطنين داخل الأحياء.
مخاوف بسبب تسريبات عن انسحاب الجيش من سنار
و تسود مدينة سنار حالة من الخوف والهلع وسط المواطنين مع عمليات مغادرة المدينة بعد تسريب أخبار عن انسحاب الجيش من حامية سنار ، و قال نازح ان مدينة سنار تسودها حالة من الفرار الجماعي للمواطنين بعد ورود أنباء عن اقتراب قوات الدعم السريع من المدينة وتسريب أخبار عن انسحاب الجيش من حامية سنار الي سنجة.
ووصف الأوضاع بسنار بالصعبة والمتوترة وسط غياب تام للأجهزة الأمنية بالمدينة ، و قال ان هناك آلاف النازحين الذين فروا من مدني الي سنار يعيشون أوضاعاً صعبة مكتظين في المدارس وبعضهم في الشوارع في أوضاع إنسانية سيئة.
قيود في بورتسودان
و قال ناشطون من مدينة بورتسودان التي اتخذها المجلس السيادي عاصمة ادارية شرقي البلاد ان المخاوف بدأت تنتشر وسط المواطنين من انتقال الحرب بين الجيش والدعم السريع الى ولاية البحر الأحمر ، و ذكرت إحدى الناشطات في العمل المجتمعي في المدينة انه بسبب هذه المخاوف فرضت السلطات قيوداً على التجمعات والعمل المجتمعي الذي يقوم به المتطوعون لخدمة الفارين من بقية مدن السودان بسبب الحرب.
وقالت انهم توقفوا عن انشاء مراكز ايواء والاشراف عليها لجهة ان السلطات رهنت ذلك باستخراج تصاديق أمنية، واتباع اجراءات صعبة جدا، يسألون فيها عن قبائل النازحين وأشكالهم ، و أضافت: جراء هذه المخاوف بدأت السلطات منذ يومين حملات في أسواق المدينة ضد أصحاب الأعمال الهامشية من أبناء غرب السودان.
ونوهت الى ان مدينة بورتسودان تعيش في حالة طوارئ وحظر تجوال منذ عدة أشهر والآن هناك مخاوف من تمديد زمن حظر التجوال ، و أوضحت ان هناك أسر بدأت تصل الى بورتسودان بعد الأحداث التي وقعت في مدينة ود مدني، في وقت ولا توجد في المدينة منازل للإيجار، بينما ارتفعت ايجارات الشقق الى 2 او 3 ملايين جنيه للشهر.
وأشارت الى ان مدينة بورتسودان يوجد بها 15 مركز ايواء تحت اشرف وزارة الشئون الاجتماعية ودعم من الأهالي والخيرين والمتطوعين بالمدينة.
مؤتمر البجا بكسلا يدعو للاستنفار
و اصدر مؤتمر البجا ولاية كسلا بيانا دعا من خلاله كافة مكونات شرق السودان الاجتماعية والدينية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني وقطاعات الشباب والطلاب والمرأة المهنيين ورجال الأعمال والمزارعين والرعاة الحرفيين للتوحد والتكاتف وتكوين جبهة داخلية متماسكة قوية لتامين وحماية شرق السودان ومواطنيه.
ودعا الحزب من خلال البيان كافة مقاتليه المسرحين وكل ابناء الشرق للجاهزية الكاملة لحماية الأرض والعرض. وسجل صوت شكر وتقدير وعرفان لكل من ساند السودان في محيطه الاقليمي وخص بالشكر الشقيقة الجاره إريتريا حكومة وشعبا على مواقفها المبدئية الثابته المعلنه الداعمه للسودان وشعبه.
ونوه البيان الي نضالات حزب مؤتمر البجا من أجل قضايا السودان عامة وشرق السودان خاصة وقدم في سبيل ذلك ارتالا من الشهداء والجرحي المعاقين المعتقلين ، واشار إلي المرحلة الفاصلة والحاسمة التي يمر بها السودان في تاريخه التي تهدد وجوده وبقائه بسبب الحرب المفروضه عليه والتي استمرت لأكثر من ٨ اشهر وتمددت الي الأقاليم الأمر الذي دعا الحزب وانطلاقا من مسئوليته الوطنية والاخلاقيه تجاه الشعب وشرق السودان والسودان عامة لإعلان المواقفه السابقة.
مواقف قوى الشرق من النزاع بين الجيش والدعم السريع
بسبب حالة التنافُس على السُلطة والثروة، تباينت مواقف قوى الشرق حيال النزاع بين الجيش والدعم السريع، وذهب بعضها إلى تقديم الدعم العسكري والمادي للجيش، فيما دعا البعض الآخر إلى وقف القتال، وتسوية النزاع بشكل سلمي.
و نظراً لإنتماء بعض قادة الجيش والحركة الإسلامية إلى قبائل الشرق، ومنهم طاهر إيلا المحسوب على قبيلة الهدندوة، وآخر رئيس وزراء في عهد البشير، اتجه بعض القبائل الوازنة في شرق البلاد إلى دعم الجيش وقيادات الحركة الإسلامية في نزاعهما ضد الدعم السريع، وعلى رأس هذه القبائل مكونات المجلس الأعلى للبجا، الذي يقوده الأمين ترك ناظر قبيلة الهدندوة، والتي تعد من أكبر قبائل الإقليم.
وفضلاً عن الانتماءات القبلية، يتشارك قيادات مجلس البجا الرغبة مع نظرائهم بالجيش في أن تقود الحرب إلى تأسيس عملية سياسية جديدة، تتضمن إعادة التفاوض حول حصص السُلطة والثروة في الإقليم، كما يتفق المجلس مع الجيش على مناوئة توجهات قوات الدعم السريع الداعية لإجراء إصلاحات في المؤسسة العسكرية السودانية، وتقويض نفوذ الحركة الإسلامية في السودان، ويتشاركان كذلك في مناوئة توجهات حركات اتفاق جوبا والمجلس المركزي للحرية والتغيير من النزاع، بعد أن اتخذ الأخيران مواقفاً يغلب عليها الحياد النسبي تجاه طرفي النزاع الرئيسين.
وإلى جانب مواقف تُعزز شرعية موقف الجيش من النزاع مع الدعم السريع، قدَّمت بعض قبائل الشرق دعمآ ماديآ لمقراته بالإقليم، كما وفَّرت حماية أمنية لقيادات نظام البشير، التي هربت من السجون على خلفية الاشتباكات في العاصمة و الولايات ، ومنهم أحمد هارون نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول حيث أفادت تقارير صحفية بوجوده في ولاية كسلا.
واتفقت مواقف مجلس البجا مع توجهات المؤسسات الحكومية في ولايات الشرق، إذ غضت الأخيرة الطرف عن ملاحقة عناصر البشير، و شطبت نيابتا القضارف وكسلا بلاغات ضد حكومتي الولايتين تتهمهما بالتستر على قادة النظام السابق، بينما حظر والي كسلا التجمعات بالولاية، بعد أن شهدت بعض الفعاليات الاحتجاجية المناوئة لمنسوبي نظام البشير، وكان نفس الوالي قد اعلن التعبئة العامة لصالح الجيش في يوليو 2023.
وعملت القبائل على دفع أبنائها للانضمام لصفوف الجيش، في أعقاب تراجُع أدائه القتالي ضد الدعم السريع في الخرطوم ودارفور، وضد الحركة الشعبية (عبد العزيز الحلو) في جنوب كردفان وأعلنت قبيلة الهوسا في أغسطس 2023 عن إرسال 50 الف من أبنائها للانضمام لقيادة الفرقة الثانية مشاة بالقضارف، واتسقت هذه الخطوة مع عداء الهوسا لحركة عبد العزيز الحلو، بسبب وقوع اشتباكات قبلية في وقت سابق بين أنصار الطرفين.
من جانبها، أبدت قوى قريبة من مجلس البجا مثل عناصر حركة شيبة ضرار استعدادها للانضمام لصفوف الجيش، في وقت أفادت تقارير بأن القيادي في نظام البشير أحمد هارون قد عقد عدة لقاءات في ولايات الشرق، بهدف حشد 15 ألف فرد من كل ولاية للانضمام لصفوف الجيش في العاصمة.
و مع تزايد مؤشرات اتجاه قبائل الشرق القريبة من الجيش إلى تعميق انخراطها في النزاع العسكري، تخوَّف عدد من القبائل الأخرى من التداعيات التي قد تنتج عن هذه التطورات على الأوضاع بشرق السودان، والتي قد تتضمن تعزيز وزن القبائل الداعمة للجيش عسكرياً، وتعظيم رغبتها في السيطرة على الثروة والسُلطة في الإقليم.
وفي هذا الإطار، دخل عدد من القبائل -التي جمع بعضها خلافات سابقة مع مكونات البجا- على مضمار النزاع بين الجيش والدعم السريع، وكوَّنت نواة تحالف سياسي قبلي واسع مناوئ للحل العسكري للنزاع ، وأعلنت في 7 أغسطس 2023 عن مبادرة سياسية ترمي إلى تسوية الأزمة بين الجيش والدعم السريع، أطلقت عليها مُسمى “مبادرة أهل الشرق”.
وضمَّت قائمة الموقعين على المبادرة تسعة من النظار والقيادات الأهلية، منهم ممثلي قبيلة البني عامر التي تعد قريبة سياسياً من حركات مسار الشرق باتفاق جوبا، كما سبقت الإشارة. ووقع على البيان أيضاً ممثلو قبائل أخرى مثل البشاريين والجميلاب والحباب والبرقو الصليحاب. ويُشار إلى أن قبيلة الجميلاب تتمتع بوزن نسبي مؤثر في ولاية كسلا، ويقودها الشيخ سليمان بيتاي أحد أبرز رجال الدين الإسلامي في الإقليم، والذي يحظى كذلك بعلاقات جيدة مع دولة إريتريا المحاذية للولاية. وعموماً، فإن أغلب هذه القبائل امتنعت عن تقديم أي شكل من الدعم للجيش السوداني منذ بدء النزاع.
وفي خطوة يبدو أنها جاءت لرغبة أطراف المبادرة في تجنُّب الانضمام لمناخ الاستقطاب في السودان، لما لذلك من ارتدادات سلبية قد تطال العلاقة بين قبائل إقليم الشرق، تجنَّبت المبادرة التطرق إلى شرعية مواقف طرفي النزاع، ولم تُشر إلى القضايا الجهوية التي تخص الإقليم، وطرحت عوضاً عن ذلك خطوطاً عريضة لتسوية الأزمة، داعية إلى التلازم بين عملية وقف الحرب، وإقامة سُلطة مدنية لإدارة الفترة الانتقالية، مع وضع خريطة طريق لإعادة إعمار السودان، والتحضير لمؤتمر حوار وطني شامل، وبناء جيش وطني واحد.
وترتفع مخاطر هذا السيناريو لأنه قد يقود إلى حدوث اشتباكات قبلية ، وربما وقوع حرب أهلية في الإقليم، خاصة أن بيئة الشرق مُهيأة لذلك نتيجة انتشار حمل القبائل للسلاح، فضلاً عن تشاركهم إرثاً من المواجهات الدموية. وقد يقود هذا السيناريو إلى إطالة أمد الصراع في السودان بصفة عامة، بما ينعكس سلباً على أمن البحر الأحمر، ويعزز من احتمالات تدخل القوى الإقليمية والدولية عسكرياً لتأمين حركة الملاحة ورغم أن مخاطر هذا السيناريو تُمثِّل أبرز كوابح تحققه، فإنه يعد مُرجحاً في حال تفاقمت الخسائر العسكرية للجيش خارج شرق البلاد.
قبائل البجا
وتعد قبائل البجا من أقدم قبائل السودان، ويقال إنها في المنطقة منذ 5 آلاف عام، وتضم مكونات رئيسية هي الهدندوة، والبني عامر، والحلنقة، والبشاريين، والأشراف، والأرتيقة، والشياياب، والعبابدة، والكميلاب، والملهيتنكناب، وتعد أيضاً إثنية الهدندوة التي يقودها الناظر ويعني عميد قبيلة محمد الأمين ترك، أكبر قبائل البجا، تعداداً.
وتسكن قبائل البجا ما بين ساحل كسلا، والبحر الأحمر، ونهر النيل في السودان، وعلى امتداد الشمال، مروراً بمنطقة مثلث حلايب، ويذكر التاريخ لهذه القبائل وقفتها القوية مع أمير الشرق عثمان دقنة، الذي سهلت مقاومته للثورة المهدية تحرير الخرطوم من الحكم الإنجليزي.
وعلى مدار سنوات طويلة عانت البجا من التهميش السياسي والتنموي، وقادت حروباً ضارية ضد الحكومة المركزية في الخرطوم في تسعينيات القرن الماضي، بين 1994 و2006، وشاركت في الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في 2019.
وعقب ذلك دعمت هذه القبائل الحكومة الانتقالية، حتى توقيع اتفاق جوبا. إذ اعتبرت البجا أن موقعي الاتفاق نيابة عنها لا يمثلونها، لتنطلق موجة احتجاجات تصاعدت وتيرتها بإغلاق الميناء، وإعلان البِجا السيطرة على عصب التجارة في السودان.
أهمية قبائل البجا
ينظر إلى البِجا وإقليمها الآن على أنها عامل مؤثر على مستقبل واستقرار السودان، حيث يهدد إغلاق الموانئ، بالتزامن مع إغلاق الشوارع المؤدية من إقليم شرق السودان إلى باقي أنحاء البلاد، والعاصمة الخرطوم، الأمن القومي للسودان..
ويرى مراقبون أن شرق السودان هو الإقليم المتحكم في حركة الدولة مع العالم على الصعيد الاقتصادي والتجاري، إذ يستورد السودان 70% من احتياجاته عبر ميناء بورتسودان، كما أن ميناء بشاير، المغلق أيضاً، يؤثر على استقرار دولة جنوب السودان، باعتباره منفذ تصدير نفطها ، يخشى مراقبون أن تؤدي الاشتباكات بين البِجا والجيش إلى انفصال شرق السودان، على غرار الجنوب، أو تحوله إلى دارفور أخرى، وسط حديث عن تغذية أطراف خارجية للصراع، واتخاذ المطالب أبعاداً عرقية وقبلية وجهوية، قد تؤجج حرباً أهلية واسعة ، و يشكل البجا حوالي 10% من سكان السودان البالغ عددهم 45 مليوناً، وفق آخر إحصاء سكاني رسمي في 2008.
موقف البجا من الأطراف المتصارعة في السودان
وقبل شهر تقريباً، نفى رئيس المجلس الأعلى لنظارات قبائل البجا في شرق السودان، محمد الأمين ترك حديث قوات الدعم السريع عن نذر حرب أهلية في شرق البلاد عبر تسليح بعض القبائل ، وقال ترك آنذاك: “لم يُسلح الجيش أحداً في شرق السودان، ولم نناقش أمر تسليح القبائل”.
ورداً على الاتهامات له وللمجلس الأعلى لنظارات البجا بموالاة الجيش والنظام السابق، قال ترك: “لسنا فلولاً ولسنا مرتزقة، لكننا ندافع عن حقوقنا لأخذها من الفلول الذين يتجولون في الخارج ليحكموا الناس”.
وأضاف ترك “حتى لو لم تندلع الحرب في الخرطوم لاشتعلت في شرق السودان، لأن أهل شرق السودان كانوا يقاتلون ضد هذه الطغمة التي تتقوى بالاستعمار وتريد أن تحكم بحق ودون حق”.
“تقدم” يتمسك بإستراتيجية (شرق آمن)
و الي ذلك أعلن تحالف القوى المدنية لشرق السودان، عن مشاورات مع الحلفاء من مكونات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، في شأن التطورات الأخيرة ودخول قوات “الدعم السريع” إلى مدينة ود مدني.
وطالب المتحدث باسم التحالف صالح عمار، القوات المسلحة وقوات “الدعم السريع”، بمخاطبة المواطنين في مناطق سيطرتهم وخصوصاً ولايات الجزيرة ودارفور بأنها ستوفر لهم الأمن وكل الحقوق التي تضمن لهم العيش بكرامة والالتزام العملي بتطبيقه وذلك من أجل إيقاف موجات النزوح ووقف الانتهاكات على أسس إثنية.
وكشف عن التواصل مع المجتمعين الإقليمي والدولي لاتخاذ خطوات عاجلة لحماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية ومعاقبة كل الأطراف المتورطة في الانتهاكات وعرقلة وصول المساعدات ، و أشار إلى بدء عملية سياسية جديدة تستصحب معها تجربة منبر جدة، وتضع كل القضايا الأمنية والسياسية في حزمة واحدة تخاطب هواجس ومصالح كل الأطراف بمن فيهم أطراف الحرب والمدنيين وتبدأ بإعلان مبادئ يحدد إطار الحل.
وحض عمار أهالي شرق السودان إلى فتح بيوتهم وتسخير إمكاناتهم لاستقبال النازحين وتوفير حاجاتهم الإنسانية وهو ما عرف به أهل الشرق على مر تاريخهم.
الجدير بالذكر أن منطقة شرق السودان لن تكون بمنأى عن المعارك التي بدأت في الخرطوم ثم انتقلت إلى دارفور وكردفان، ما يعني أن السودان كله معرّض لإنتشار الحرب في ربوعه ، جرس إنذار ينبّه إلى ما يمكن أن يحدث في هذه المنطقة خلال الفترة المقبلة و التي تشهد تدابير أمنية مشددة ، لا سيما حظر تجوال ومنع تجمعات المواطنين في بعد مدن الشرق فيما نفذت الأجهزة الأمنية اعتقالات واسعة طالت عددا من المدنيين ، كنوع من الإيحاء بفرض السيطرة.
وتزداد المخاوف من اتساع المعارك إلى ولايات أخرى، و لا يستبعد مراقبون أن ينتقل القتال إلى أي من هذه الولايات، في ظل انسداد الأفق السياسي أمام حل سلمي للأزمة، على الرغم من جهود كل من منبر جدة في السعودية، والهيئة الحكومية لشرق أفريقيا (إيغاد).