متابعات دارفور : بابنوسة
وسط مخاوف من تمدد رقعة الحرب الدائرة بين الجيش و الدعم السريع منذ منتصف أبريل (نيسان)، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية واتساع دائرة الانتهاكات، تواصلت حدة المواجهات العسكرية بين طرفي النزاع على جبهات القتال المختلفة في البلاد، في وقت بلغت المعارك في بابنوسة ، بولاية غرب كردفان، المستمرة لليوم الخامس على التوالي ذروتها مخلفة أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى ونزوح معظم سكان المدينة، لكن من دون أن يحكم أي من الطرفين سيطرته التامة على المدينة حتى اللحظة.
وبحسب مصادر مدنية، فإن مدينة بابنوسة شهدت معارك ضارية بين الجيش و”الدعم السريع”، وشن الطيران الحربي والمسير غارات جوية مكثفة على مواقع عدة لـ”الدعم السريع” في نواحي المدينة، كما تبادل الطرفان القصف المدفعي من منصاتهما داخل المدينة وخارجها.
وأشارت المصادر نفسها إلى أن “الدعم السريع” قادت عملية عسكرية واسعة من أجل السيطرة على قيادة الفرقة 22 مشاة، لكن الجيش صد الهجمات المتوالية وما زال يحتفظ بمقر قيادته العسكرية في هذه المدينة على رغم فرض حصار عليه، وأوضحت أن بابنوسة أصبحت خالية من السكان الذين نزح معظمهم إلى مدينتي الفولة والمجلد، فضلاً عن عدد من القرى المنتشرة في الولاية.
وأفاد مواطنون بأن طيران الجيش قصف مواقع عدة بمدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، حيث أسقط عدداً من البراميل المتفجرة مما أدى إلى وقوع أضرار بالغة طاولت أمانة الحكومة وقيادة الفرقة 20 مشاة فضلاً عن مرافق ومنازل للمواطنين، لافتين إلى أن الطيران كان يستهدف مستودعات وقود وأسلحة كانت في طريقها لإمداد “الدعم السريع” الموجودة في بابنوسة.
وتعد هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها الطيران الحربي مدينة الضعين منذ أن سيطرت الأخيرة على المدينة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
في الخرطوم، أوضح شهود أن الأوضاع في معظم أحياء العاصمة شهدت هدوءاً حذراً، فيما وقعت في منطقة الخرطوم بحري، خصوصاً شرق النيل، مواجهات متقطعة، فضلاً عن تبادل القصف المدفعي بين الطرفين، واحتدمت الاشتباكات في مدينة أم درمان، وسط تبادل القصف المدفعي في موازاة انقطاع المياه للشهر الرابع على التوالي في بعض المناطق وشح شديد في السلع والخدمات.
ودارت اشتباكات بين طرفي القتال على تخوم مدينة سنار وتحديداً في منطقتي ود الحداد وسكر سنار.
أياد خارجية
وعلق القيادي في تحالف “قوى الحرية والتغيير” عروة الصادق على هجوم “الدعم السريع” على مناطق غرب كردفان تحديداً بابنوسة قائلاً “هذا الهجوم سببه عدم الإيفاء بما تم التعهد عليه في منبر جدة الذي ترعاه الوساطة السعودية – الأميركية، ومن ثم فقد يتواصل تمدد العمليات إلى مناطق أخرى في هذه الولاية مثل المجلد والنهود وكذلك الأبيض، وحتماً سيفاقم هذا الوضع سوء الأوضاع، وستزيد أعداد النازحين الفارين من الحرب، لكن المشكلة تكمن في أن مدن كردفان الكبرى فيها كثافة سكانية عالية تضاعفت بعد الحرب، مما يعني أن هذه المدن يجب أن تكون ملاذات آمنة، ومن ثم يجب أن يتوجه الطرفان على الفور نحو المفاوضات وتنفيذ البروتوكول الإنساني لإيصال المساعدات للمتضررين من هذا الصراع، وإلا فإن الزحف نحو المدن ستكون عواقبه وخيمة على المواطنين والبنى التحتية وعلى البلاد ككل”.
وتابع الصادق “من المتوقع استئناف منبر جدة بخاصة بعد توقف مبادرة إيغاد، لكن ذلك رهن بتنفيذ التعهدات السابقة والإجراءات التي تمهد لبناء الثقة، ليس هناك عاقل يقف مع استمرار الحرب وتنامي الخطر الذي يهدد وحدة وسلامة وسيادة البلاد، كما لا يوجد حل لهذه الأزمة إلا بالعودة لمنبر الوساطة السعودية – الأميركية بشكل عاجل، لأنه مهما حقق أي من الطرفين تقدماً ميدانياً، فلن يحقق النصر الحاسم، باعتبار أن هناك أيادي خارجية تمد الطرفين بالسلاح والعتاد”، وأشار إلى أن جهود مبادرة “إيغاد” راحت أدراج الرياح، “كما أن هناك دولاً تريد إضعاف هذه المنظمة وبث الفرقة بينها لصالح الصراع الجديد في أرض الصومال، وترى أن أي التئام لإيغاد لن يكون في صالحها، لذلك توعز هذه الدول لعناصر في السودان بتعطيل كل جهد يوحد القرن الأفريقي”.
ونوه القيادي في “الحرية والتغيير” بأن “السودان اليوم أشبه بالثكنة العسكرية التي يقودها أمراء حرب يتقدمون مواطنين مسلحين بلا تدريب ولا تأهيل بعد أن تمت تعبئتهم بخطابات عنصرية وجهوية وتحريضية، وهي من أخطر عوامل التمهيد نحو الحرب الأهلية، وأصبح بعض السلاح كما نرى يستخدم لأعمال النهب والسرقات أو للاتجار به، وتفاقمت الأوضاع الإنسانية، وتوقفت حركة النقل على قلتها، مما يعني انقطاع الإمداد السلع والمستلزمات الغذائية والدوائية”.
عزلة شعبية
وفي السياق، قال أستاذ الاقتصاد السياسي في “الجامعات السودانية” الحاج حمد أن محاولات “الدعم السريع” التمدد جغرافياً يتم حسب توفر إمكاناتها ميدانياً بخاصة حول المدن، وبين حمد أن مبادرة “إيغاد” خفت بريقها بعد إعلان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان مقاطعته التامة هذه المنظمة الإقليمية بسبب إدراجها الأزمة السودانية في أجندة قمتها الأخيرة التي عقدتها في أوغندا. ولفت أستاذ الاقتصاد السياسي إلى أن الشارع السوداني ابتعد منذ البداية عن طرفي النزاع، لذلك ظل الطرفان في حالة عزلة لا تسمح بتوسع قاعدة التأييد الشعبي، مستبعداً في الوقت عينه نشوب حرب أهلية في البلاد.
حمدوك إلى جوبا
في التحركات، أكدت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” تواصل جهودها للجمع بين قائدي الجيش السوداني و”الدعم السريع” محمد حمدان دقلو لإنهاء الحرب، إذ من المقرر أن يقوم وفد من التنسيقية بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك بزيارة جوبا عاصمة جنوب السودان الخميس المقبل، ووفقاً لوسائل إعلام محلية، فإن التنسيقية ستزور جوبا في الأول من فبراير (شباط) المقبل لعرض خارطة الطريق، وإعلان أديس أبابا الموقع مع قائد “الدعم السريع”، على رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت. وأشارت إلى احتمال أن تلتقي تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في جوبا كلاً من رئيسي الحركة الشعبية – شمال عبدالعزيز الحلو ورئيس حركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور.
المحكمة الجنائية
دولياً، أكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أن الحرب في السودان خلفت أوضاعاً إنسانية كارثية، مشدداً على ضرورة التزام جميع الأطراف المتحاربة في البلاد القانون الإنساني الدولي وعدم إيذاء المدنيين، وأشار خان، الذي وصل أمس الجمعة إلى العاصمة التشادية أنجمينا في أول زيارة للمدعي العام لهذه البلاد ولمعسكرات اللاجئين السودانيين شرق تشاد، إلى أن تحقيقات خبراء المحكمة الدولية تشمل ما وقع من جرائم في مدينة الجنينة غرب دارفور خلال يونيو (حزيران) الماضي، في حق عدد من المواطنين الذين ينتمون إلى قبيلة المساليت.
ومن المقرر أن يزور المدعي العام اليوم السبت معسكر “فرشنا” للاجئين السودانيين، وهو واحد من 14 معسكراً يضم قدامى اللاجئين السودانيين الذين شردوا من دارفور خلال عامي 2003 و2004، كما سيزور معسكرات “أدري” للاجئين الذي يضم مئات آلاف السودانيين الفارين من غرب دارفور ومدينة الجنينة، حيث قتل نحو 15 ألف شخص بحسب تقارير أممية.
ومن المنتظر أن يقدم المدعي العام الإثنين المقبل من العاصمة التشادية تقريره لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في دارفور وسير التحقيقات الجديدة الجارية في الإقليم.