نفوذ إماراتي متنامٍ..ماذا يعني تنفيذ الهجوم الإرهابي على قاعدة غوردون الإماراتية في الصومال؟

متابعات  دارفور: الصومال

على الرغم من أنه من المعتاد تنفيذ حركة الشباب الصومالية سلسلة من الهجمات تستهدف قواعد صومالية تضم قوات دولية؛ إلا أن وقوع هجوم إرهابي في قاعدة غوردون التي تُديرها الإمارات في العاصمة الصومالية مقديشيو، والذي أسفر عنه مقتل ضُبّاط إماراتيين وضابط بحريني، إلى جانب مقتل وإصابة عدد من القوات الصومالية، مع إعلان حركة الشباب الصومالية تبنّيها تنفيذ الهجوم؛ يحمل في طياته العديد من الدلالات التي تقف وراء تنفيذ هذا الهجوم، وفي هذا التوقيت في خضمّ ما تشهده الساحة الصومالية من اضطراب أمني على وقع الإستراتيجية الصومالية لمكافحة الإرهاب.

و عزم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود على طرد حركة الشباب من معاقلها في وسط وجنوب الصومال، إلى جانب تزامن هذا الهجوم مع توقيع إقليم أرض الصومال مذكرة تفاهم مع إثيوبيا، أثارت العديد من الانتقادات الإقليمية، وهو ما يدفع للتساؤل بشأن دوافع ودلالات تنفيذ حركة الشباب الصومالية هجومها على قاعدة غوردون الإماراتية.

مستوى جديد من التصعيد… تفاصيل حول هجوم قاعدة غوردون الإماراتية

أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية في بيان أصدرته مساء يوم 10 فبراير الجاري عن مقتل 4 من جنودها، وضابط بحريني وإصابة آخر، إثر ما وصفته بـ”العمل الإرهابي” في قاعدة غوردون التي تُديرها الإمارات في الصومال، وذلك أثناء أدائهم مهام عملهم في تدريب وتأهيل القوات المسلحة الصومالية، والتي تندرج ضمن الاتفاقية الثنائية بين الإمارات الصومال في إطار التعاون العسكري بين البلدين.

كما أكدت وزارة الدفاع أن أبو ظبي تُواصل التنسيق والتعاون مع الحكومة الصومالية في التحقيق بشأن العمل الإرهابي الآثم([1])، في حين لم تعترف البحرين، بالهجوم على الفور([2]). وقد أكَّد مصدر عسكري صومالي أن الهجوم جاء نتيجة قيام جندي بفتح النار داخل قاعدة غوردون العسكرية الواقعة في العاصمة مقديشيو.

علاوةً على ذلك، أوضح مصدر أمني صومالي أن القاتل هو جندي صومالي تم تدريبه حديثًا عقب انشقاقه عن حركة الشباب قبل تجنيده من الصومال والإمارات، وأثناء الهجوم قام بفتح النار على المدرّبين الإماراتيين ومسؤولين عسكريين صوماليين عندما بدأوا الصلاة، مما أسفر عن إصابة أربعة ضباط إماراتيين، بينما قتل أربعة جنود صوماليين، وتم قتله على الفور في القاعده

بينما أفاد اثنان من طاقم التمريض وطبيب في مستشفى رجب طيب أردوغان في مقديشو التي نُقل إليها المصابون وقتلى الهجوم، أن ضابطًا كبيرًا من الإمارات لقي حتفه، في حين أُصيب أربعة آخرون بجروح خطيرة، بالإضافة إلى إصابة 10 جنود صوماليين، وهو الهجوم الذي أدانه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشدة خلال زيارته للمصابين في مستشفى أردوغان.

على الجانب الآخر، أعلنت حركة الشباب الصومالية -فرع تنظيم القاعدة في الصومال- عن تبنّيها للهجوم الإرهابي عبر بيان بثّته “إذاعة الأندلس” التابعة لها، جاء فيه أن الهجوم: “أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص المشاركين في الجهد العسكري الإماراتي”، ووصف البيان دولة الإمارات بأنها “عدوّ للشريعة الإسلامية لدعمها الحكومة الصومالية في جهودها لمحاربة الحركة”، كما أضافت الحركة بأن مقاتليها قتلوا 17 جنديًّا.

دوافع ودلالات استهداف الشباب قاعدة غوردون الإماراتية في الصومال

تتعدد الدوافع التي تقف وراء تنفيذ حركة الشباب الصومالية لهجومها على قاعدة غوردون الإماراتية، وهو ما يُمكن مناقشته كالتالي:

1- استعادة المكانة… وتنامي النفوذ الإماراتي في الصومال في عهد الرئيس شيخ محمود

مع وصول الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى السلطة في 15 مايو 2022م، بدأت إرهاصات استعادة الإمارات مكانتها ونفوذها في الصومال مرة أُخرى استكمالاً لسنوات ماضية من الانخراط، وذلك عقب تدهور العلاقات الإماراتية الصومالية في عهد الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو خلال الفترة (2017- 2022م)، بدعم قطري سخي عبر ذراعها في الصومال: الإعلامي السابق في قناة الجزيرة ورئيس وكالة الاستخبارات والأمن الوطني السابق المُثير للجدل فهد ياسين، المعروف بـ”مالك القرار الصومالي.

وتتعدد المؤشرات الكاشفة لاستعادة العلاقات الإماراتية الصومالية قوتها بعودة الرئيس الصومالي شيخ محمود إلى السلطة، أبرزها؛ إفراج الصومال عن مبلغ 9.6 مليون دولار كانت قد صادرتها إدارة الرئيس الصومالي السابق فرماجو تبعها مصادقة مقديشيو في فبراير 2023م على اتفاق رسمي للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب مكونة من 13 مادة، تمنح أبو ظبي الحق في التحقيق وجمع المعلومات واستخدام المرافق الإقليمية، واستيراد المعدات العسكرية.

إلى جانب إنشاء مراكز تدريب للعسكريين، وتوفير وتمويل قوات مكافحة الإرهاب، ناهيك عن منح الاتفاقية لأبو ظبي الحق في ملاحقة الأفراد المتورطين في الإرهاب، بل والتحقيق معهم دون الرجوع إلى السلطات الصومالية، وهو ما يعني مَنْح الإمارات اليد العليا في الصومال، والحق في احتجاز المعارضين للنفوذ الإماراتي في مقديشيو بتهمة الإرهاب ناهيك عن ازدواجية السياسة الإماراتية تجاه الصوماليين، ففي ظل الحديث الإماراتي عن دعمه للشعب الصومالي، يواجه الصوماليون صعوبات بالغة للحصول على تأشيرات دخول إلى أبو ظبي.

ومِن ثَم، تتعدد الأسباب التي تجعل من الإمارات محل استهداف مِن قِبَل حركة الشباب؛ أبرزها: علاقة الشراكة الإستراتيجية بين أديس أبابا والإمارات وتعدد ملفات التعاون؛ حيث إن الأولى محل انتقاد واستهداف من قبل حركة الشباب، وعادةً ما تستهدف الأخيرة القوات الإثيوبية داخل الصومال، وبالتالي فإن دعم أبو ظبي لأديس أبابا يجعل الأخيرة محل انتقاد واستهداف من حركة الشباب، وهو ما يُعيد للأذهان هجوم حركة الشباب في العام 2019م، الذي أسفر عن مقتل رجل يعمل في موانئ P&O في دبي.

كما أن إعلان أديس أبابا عن ترحيبها بشراكة موانئ دبي في تطوير ميناء بربرة ودعم مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، خلَق دافعًا قويًّا مِن قِبَل عناصر حركة الشباب لاستهداف المصالح الإماراتية باعتبار أبو ظبي أحد المرتدين والخونة الداعمين لمذكرة التفاهم، وهو ما يُنذر بتكرار الهجمات الإرهابية المُنفَّذة مِن قِبَل حركة الشباب ضد المصالح الإماراتية في الصومال، وقد تمتدّ الهجمات لتشمل المصالح الإماراتية في شرق إفريقيا.

يُضاف إلى ذلك، تُحاول الحركة توظيف القوى المعارضة للنفوذ الإماراتي في الصومال وتحول المنظور الصومالي لأبو ظبي لدولة معادية، من أجل كسب قاعدة شعبية في الصومال، مع طرح نفسها كقوة داعمة ومناصرة للمواطن الصومالي، بينما تتجه الصومال لتعزيز شراكاتها مع الإمارات متجاوزة المنظور الشعبي لأبو ظبي.

تقويض الإستراتيجية الصومالية لمكافحة الإرهاب

مع تولي الرئيس حسن شيخ محمود رئاسة الصومال في مايو 2022م، أعلن اعتماد إستراتيجية لقتال حركة الشباب وطردها من معاقلها في وسط الصومال في أغسطس 2022م، بدعم دولي وغربي، حقّقت على إثره مقديشيو نجاحات أولية في تحرير مساحات كبيرة من الأراضي والقرى وعواصم المقاطعات في عام 2022م، لكن سرعان ما تمكّنت حركة الشباب من هزيمة القوات الصومالية وإصابتها بسلسلة من الانتكاسات منذ يناير 2023م، أدَّت إلى تراجع عمليات التطهير بشكل واسع.

وفي يناير 2024م، صرّح مسؤولون صوماليون بأن القوات الصومالية تعتزم تطهير حركة الشباب من معاقلها المتبقية في وسط الصومال بحلول فبراير 2024م، وتجري الآن الاستعدادات النهائية لبدء هجوم شامل في الجنوب، تنفيذًا لأهداف الرئيس الصومالي المتمثل في القضاء على كافة معاقل الحركة تزامنًا مع استكمال قوات الاتحاد الإفريقي انسحابها الكامل المقرر في نهاية العام 2024م.

ومن ثم، يأتي هجوم حركة الشباب على قاعدة غوردون الإماراتية؛ ليبعث برسالة إلى الحكومة الصومالية بأنها لن تنجح في تحقيق الهدف الممثل في القضاء على الحركة وعلى معاقلها في وسط وجنوب البلاد، وأنه على الرغم من تكثيفها الجهود وما تتلقاه من دعم دولي لإستراتيجيتها لمكافحة الإرهاب، وما حقّقته من نجاحات أولية؛ إلا أن الحركة باقية وتتمتع بمرونة بالغة في التكيف مع معطيات الحرب وتكتيكات القتال، وأنها قادرة على استعادة معاقلها مرة أخرى؛ حيث تعتمد الحركة على تكتيك الانسحاب من المدن الرئيسية لتجنُّب الاشتباكات مع القوات الصومالية، ثم شنّ هجمات كبيرة باستخدام السيارات المفخخة على القواعد الصومالية المؤقتة، بما يُمكنها من السيطرة على المدن، مثلما حدث في عدة مناطق في يناير وأبريل وأغسطس من العام 2023م.

ناهيك عن أن تنفيذ الحركة مثل هذه الهجمات الإرهابية، على أيدى أحد المنشقين عن الحركة، والذي عملت القوات الصومالية والإمارات على تجنيده، يهدف إلى التقليل من جدوى إستراتيجية الحكومة لمكافحة الإرهاب وعدم فعاليتها، بما في الاستقطاب الفكري لعناصر الحركة لدفعهم على الانشقاق عنها، وتجنيدهم من الحكومة الصومالية، بل ودفع الحكومة إلى التشكيك فيها وفي كافة العناصر المنشقين عنها، والذين تم إعادة تجنيدهم في صفوف القوات الصومالية، وما لذلك من انعكاسات على تقويض رغبة السكان المحليين من التعاون مع القوات الصومالية في المستقبل ضد حركة الشباب.

ناهيك عن طرح الحركة نفسها كخيار بديل قوي لحماية أمن الصومال وسيادته، بدلاً من القوات الصومالية، مستغلة انشغال الرئيس الصومالي في ملف صفقة الموانئ بين إثيوبيا وأرض الصومال، وتراجع ما يبذله من جهود لحشد الدعم المحلي للهجوم ضد حركة الشباب عبر حزمة من الزيارات المحلية المكوكية؛ حيث أمضى الرئيس حسن شيخ محمود يومًا واحدًا فقط في وسط الصومال لحشد الدعم المحلي لهجومه الوشيك، ولم يعلن عن أيّ خطط لزيارة جنوب الصومال قبل الهجوم المقرر في جنوب الصومال

يُعد استهداف حركة الشباب الصومالية لقاعدة غوردن الإماراتية في العاصمة مقديشيو بمثابة تصعيد مِن قِبَل الحركة، ليس الهدف منه القوات الصومالية فقط، وإنما الهدف الرئيسي منه هو البعث برسالة تهديد للقوى الدولية والغربية والإقليمية الداعمة لإستراتيجية الصومال لمكافحة الإرهاب، والتي يأتي على رأسها الإمارات التي تمكّنت منذ نحو عام تزامنًا مع عودة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى السلطة في العام 2022م، من استعادة نفوذها في الصومال، ونَسج شبكة من العلاقات مع الحكومة الفيدرالية الصومالية، وكذلك مع حكومات الولايات، وكذلك مع حكومة إقليم أرض الصومال وما لذلك من انعكاسات على توتر العلاقات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات وحكومة إقليم أرض الصومال، مما أثار انتقاد حركة الشباب، خاصة في ظل ظروف إقليمية وبيئة مضطربة تتعلق بملف صفقة الموانئ بين إثيوبيا وأرض الصومال، وعزم حكومة الصومال على تنفيذ هجوم ضد معاقل حركة الشباب في جنوب البلاد.   

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد