المجتمع المدني من المستفيد (3)  

متابعات دارفور: أ/ محمد حسن دولي

ليست وليّدة الصدفة ، وانما هي احدى الاماكن التي ترسو فيه سفينة الواقع السياسي الجديد في الدولة السودانية ، بعد هذه الاحداث الدراماتيكية الجارية الان، التي ستوقف الحرب وصوت البندقية الي الابد ، وهي التي تقود اشرعتها ايادي التغيير من داخل رغبة الانعتاق عن الظلم والقهر والتشرد ، التي ظلت تُبحر منذ أمد طويل لأجل هذه اللحظة ، فخلفت ورائها دولة جنوب السودان الحرة ، بالرغم من انها كانت صعبة التقبّل وفق تقدير الحالمون في ليالي المثالية التائهة في اوقات الشجن ، الا انها كانت الحقيقة التي تنازل اليها اصحاب العقول من شعوب دولتي الشمال والجنوب ، بصدر رحب تحت عنفوان أنة فقدان الالفة والبعضية ، وانها سوف تخلف في طريقها الى الحرية واقع اَخر قائم على اكتاف الحقيقة المرة ، رغم كره الحالمون والمثاليون للمرة الثانية من تاريخ الوطن المنكوب.

كان يعتقد جزء يسير من مكونات تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية (تقدم) أن الاشياء جُبِلت على أن تتحرك وفق تقديراتهم ، في مائدة من الرغبة والاشتهاء ، كما هو مقرر وثابت (ان تسلم الجرة في كل مرة) وأن الامنيات القائمة على تقديرات المشهد السوداني القديم ما قبل الحرب مازالت مستقرة واَمنة ، وان الاعتبارات الزمانية والرمزية للقوى السياسية تستطيع وقف الحرب عبر التمني ، او اذا اتيحت لها امكانية العودة الى شوارع الخرطوم لتهتف من جديد في وجه طرفي الحرب (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) عبر الفعل الجماهيري التي احدثت فوارق بينها وتنظيمات النضال الثوري المسلح انذاك ، فتنمر عليهم ذات العناصر الفعالة في وقتها بعدم جدوى الفعل الثوري المسلح في التغيير، وذلك بعد اقتلاع راس النظام البائد عبر الفعل المدني القائم على الحراك الشعبي ، فهل نشهد حدوث العكس في مقبل الايام من قبل تنظيمات النضال المسلح اذا تحالفت ونجحت في اقتلاع الحركة الاسلامية من جزورها ؟

ان فروض المشهد الجديد الذي ظل يتخلق تحت وطأة القوة بفرض الشرعية والتغيير على الكل بفوهة البندقية والسيطرة على الارض والاعتراف المسبق، له واقع جديد تجاوز محطة الاحزاب السياسية السودانية ، التي مازالت تحت تقديرات الذين يتحدثون عن علاتها في قرارة انفسهم ، وبصوت عالي على اهمية اعادة النظر فيها ، وفي طرق تكوينها وتسجيلها وتولي قياداتها ، لتراعي قيم العدالة والمساواة ، او انها تحتاج الى ثورة تصحيحة تعيد ترتيبها من جديد .

مازال البعض يستبعد قيام تحالف فدرالي على عناصر (السلاح والسيطرة والاعتراف الدولي السابق) التي تحوُّل وضعيات الحركة الشعبية بقيادة الحلو ، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد ، والدعم السريع بقيادة حميدتي ، والجبهة الثورية السودانية الى واقع سياسي سلطوي حقيقي معترف بها ، تحت جبهة مدنية واسعة تضم منُسلخي الاحزاب السياسية والمجتمع المدني اليها ، في (تحالف فدرالي لقوى السودان الديموقراطي) ، وتترك بقية احزاب تحالف (تقدم) تصارع المؤتمر الوطني في (سودان البحر والنهر) ، لتهتف من جديد في شوارع عطبرة وبورتسودان ( مدنية مدنية – العسكر للثكنات) ولكن هذه المرة دون ان تذكر عبارة (الجنجويد ينحل) ام ماذا ؟

يعتمد الامر كله على نجاح العملية الجراحية الدقيقة التي تجري الان في جسد الوطن بنزع شرعية حكومة بورتسوان واسترداد ما اخذه (البرهان) بالقوة الى ملكية الشعب االسوداني من جديد وعندها يسلم الوطن من التشرذم  وتسلم الاحزاب السياسية السودانية والمجتمع المدني من التشقق.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد