القانون الجديد للجوء في مصر: خطوة تعزز القيود على حقوق اللاجئين

متابعات دارفور: السودان

بقلم / عمار نجم الدين

القانون الجديد للجوء الذي أقرته الحكومة المصرية مؤخرًا يُظهر توجهًا متزايدًا نحو تعزيز السيطرة الأمنية على حساب الالتزامات الإنسانية تجاه اللاجئين، وخاصة السودانيين الذين يشكلون نسبة كبيرة من الفارين إلى مصر بسبب النزاعات الدائرة في بلادهم.

جاء القانون كجزء من محاولة لتنظيم أوضاع اللاجئين، لكنه في الحقيقة يضيف قيودًا تعسفية تزيد من معاناتهم، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام مصر بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وحماية اللاجئين.

أبرز ما يميز القانون الجديد هو نقل مسؤولية تسجيل اللاجئين من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى السلطات المحلية المصرية.

خطوة كهذه قد تُفسر كتعزيز للسيادة، لكنها تحمل في طياتها خطرًا كبيرًا يتمثل في فتح الباب أمام القرارات التعسفية، خاصة أن القانون جاء دون أي استشارة مع منظمات المجتمع المدني أو المفوضية الأممية، مما يثير الشكوك حول نوايا الحكومة في إدارة هذا الملف.

علاوة على ذلك، يشترط القانون على من دخل مصر بطرق غير شرعية أن يقدم طلب لجوء خلال 45 يومًا فقط، وهو شرط تعجيزي بالنسبة للكثيرين ممن فروا في ظروف صعبة، دون أن يكون لديهم القدرة على استيفاء هذه المتطلبات في هذا الإطار الزمني الضيق.

القانون لا يتوقف عند تقييد اللاجئين أنفسهم، بل يمد يده إلى المجتمع المضيف أيضًا، حيث يعاقب بالسجن أو الغرامة كل من يقدم مساعدة غير رسمية لطالبي اللجوء دون إبلاغ الشرطة.

هذه المادة تزيد من عزلة اللاجئين وتثني الأفراد والمجتمعات عن تقديم أي دعم إنساني خوفًا من التعرض للعقوبات، مما يعمق من أزمة اللاجئين الذين يجدون أنفسهم عالقين بين حاجتهم للدعم وخوف المجتمع من التعامل معهم.

يستحضر هذا القانون في الذاكرة مأساة ميدان مصطفى محمود التي وقعت في ديسمبر 2005، حينما استخدمت قوات الشرطة المصرية العنف المفرط لفض اعتصام سلمي لآلاف اللاجئين السودانيين الذين كانوا يحتجون أمام مكاتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة.

الحادث أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص، بينهم أطفال ونساء، بحسب التقديرات الرسمية، بينما يقدر الناجون عدد القتلى بأكثر من 150 شخصًا.

السلطات المصرية بررت حينها استخدام العنف بأنه ضرورة لإعادة النظام، لكن ما حدث كان مجزرة إنسانية كشفت عن افتقار اللاجئين لأي نوع من الحماية في مصر.

هذه المأساة تظل عالقة في أذهان اللاجئين السودانيين، خاصة مع تشابه الظروف اليوم في ظل القانون الجديد الذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة قد تُستخدم لتعزيز القمع بدلاً من توفير الحماية.

اللاجئون السودانيون في مصر يعيشون أوضاعًا مأساوية. يعانون من التمييز والتهميش، ويُحرمون من الوصول إلى الحقوق الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، فضلًا عن التهديد المستمر بالاعتقال أو الترحيل.

القانون الجديد يزيد من هشاشتهم القانونية، ويخلق بيئة من الخوف والعدائية، سواء من السلطات أو من المجتمع الذي يتجنب التعامل معهم خوفًا من العقوبات.

بينما تدعي الحكومة المصرية أن هذا القانون يهدف إلى تنظيم أوضاع اللاجئين، فإنه في الواقع يضعهم في ظروف أكثر قسوة ويهدد حقهم الأساسي في الحصول على الحماية.

منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، أعربت عن قلقها العميق بشأن هذا القانون، واعتبرته انتهاكًا للمعايير الدولية التي تنص عليها اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة باللاجئين.

وفقًا لهذه المنظمات، فإن القانون لا يضمن حقوق اللاجئين، بل يتيح للحكومة استخدام ذرائع الأمن القومي لتبرير الإجراءات التعسفية، مما يعرض اللاجئين لخطر الترحيل أو الاضطهاد. علاوة على ذلك، فإن تجريم المساعدات غير الرسمية يقلل من فرص اللاجئين في الحصول على الدعم الأساسي الذي قد يكون شريان حياتهم الوحيد.

القانون الجديد، بدلًا من أن يكون خطوة نحو تحسين أوضاع اللاجئين، يبدو أنه يسعى إلى تقليص حقوقهم وإجبارهم على الامتثال لقواعد غامضة وقيود تعسفية، مما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والانتهاكات.

هذا الوضع يتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية للضغط على الحكومة المصرية لتعديل القانون وضمان توافقه مع المعايير الدولية. كما يجب التحقيق في الانتهاكات السابقة مثل أحداث ميدان مصطفى محمود لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي مستقبلاً.

اللاجئون السودانيون الذين فروا من ويلات الحرب وجدوا أنفسهم في مصر أمام عقبات جديدة، حيث أصبحوا ضحايا مرة أخرى، ليس فقط للصراعات في بلادهم، ولكن أيضًا لسياسات قمعية لا توفر لهم الأمان أو الكرامة.

يتعين على مصر أن تتحمل مسؤولياتها الإنسانية والدولية تجاه هؤلاء اللاجئين، وأن تعيد النظر في سياساتها التي تجعل من معاناتهم وقودًا لاستعراض القوة بدلًا من توفير الحماية التي يستحقونها.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد