بقلم / عمار نجم الدين
يمر السودان اليوم بمنعطف تاريخي حاسم في مسيرته، حيث تهدد الحرب والتشرذم أسس الدولة السودانية وتضعف وحدتها الوطنية.
في ظل هذا الوضع، تتزايد المخاطر التي تواجه البلاد، بدءًا من الصراعات المسلحة وانتهاءً بالتفكك الاجتماعي، في وقت تسعى فيه قوى الظلام والانفصال إلى زعزعة استقرار السودان والنيل من سيادته.
هذه التحديات الجسيمة تجعل من الواجب الوطني على جميع السودانيين، قادةً وشعبًا، أن يتكاتفوا لإنقاذ البلاد من الانهيار، ووضعها على مسار الوحدة والعدالة والسلام.
إعلان نيروبي، الذي وُقع في مايو 2024 بين القادة الوطنيين عبد العزيز آدم الحلو وعبد الواحد محمد نور، برعاية رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، يمثل خارطة طريق لتحقيق هذا الهدف.
هذا الإعلان يعكس رؤية وطنية شاملة لإعادة بناء السودان على أسس المواطنة المتساوية، و العلمانية ، وسيادة القانون، والسلام الدائم.
ولكنه بحاجة إلى ترجمة عملية من خلال خطوات مدروسة، على رأسها تأسيس ( تحالف وطني ديمقراطي ) يشكل مظلة جامعة لكل القوى المؤمنة بالدولة المدنية العادلة.
إن تأسيس تحالف وطني ديمقراطي ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة وطنية لإعادة بناء السودان.
هذا التحالف يجب أن يكون منصة جامعة توحد الجهود الوطنية وتجمع القوى السياسية والمدنية والمسلحة المؤمنة بالسلام والمواطنة المتساوية.
بقيادة شخصيات وطنية مثل الدكتور عبد الله حمدوك، وعبد العزيز الحلو، وعبد الواحد محمد نور، يمكن لهذا التحالف أن يقود حوارًا شاملاً يجمع كافة الأطراف السودانية تحت مظلة وطنية موحدة، تعمل على وقف الحرب وإعادة بناء الدولة.
في هذا السياق، يمثل إعلان حكومة وحدة وطنية داخل السودان خطوة قانونية حاسمة لنزع الشرعية عن حكومة الإخوان المسلمين الانفصالية في بورتسودان.
وفقًا للقانون الدولي، يمكن لهذه الحكومة الجديدة المطالبة بفرض مناطق آمنة “Safe Zones” وضمان حماية المدنيين عبر تطبيق حظر الطيران “No-Fly Zone”.
هذه الخطوة ليست فقط قانونية، لكنها أيضًا ضرورة سياسية وأخلاقية لتعزيز سيادة الدولة السودانية وحماية شعبها من ويلات الحرب. حكومة بورتسودان بانتهاجها سياسة عسكرة الصراع وتكريس الفوضى بدلًا من السعي لحلول سياسية أو خلق توافق وطني، أفقدت نفسها أي شرعية لدى غالبية الشعب السوداني والمجتمع الدولي.
هذه السياسات تجعل من السودان ساحة مفتوحة للنزاعات وتكرّس سيناريو الانفصال على نطاق أوسع، مما يهدد وحدة البلاد بشكل غير مسبوق.
النظام الحالي في بورتسودان يمثل تحديًا كبيرًا للوحدة الوطنية، إذ يسعى إلى فرض شرعية أمر واقع على حساب وحدة البلاد و يسعى لانفصال جديد للسودان .
ان سحب الشرعية منه يتطلب بناء تحالف قوي يمتلك رؤية سياسية واضحة وشرعية مستمدة من الشعب.
هذا التحالف يمكن أن يكون أداة لسحب البساط من القوى الانفصالية والدكتاتورية، وفرض مشروع وطني جامع يعيد للسودان مكانته ووحدته.
لتحقيق ذلك، لا بد أن يعمل التحالف الوطني الديمقراطي على عدة محاور أساسية. أولها، تشكيل حكومة وحدة وطنية داخل السودان و ليس حكومة منفى ، تستمد شرعيتها من إعلان نيروبي، تعمل على وقف الحرب، وإغاثة المتضررين، والتمهيد لصياغة دستور جديد يعبر عن تطلعات الشعب السوداني.
ثانيها، بناء جيش قومي مهني يمثل جميع السودانيين، بعيدًا عن أي أجندات سياسية أو ولاءات حزبية، ليكون حاميًا للوطن لا أداة للسيطرة عليه.
ثالثها، التركيز على تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة كل من تورط في انتهاكات حقوق الإنسان، لضمان عدم إفلات أحد من العقاب وتعزيز الثقة في النظام القضائي.
دور الشعب السوداني في هذه المرحلة حاسم
إن الالتفاف الشعبي حول مشروع التحالف الوطني الديمقراطي، ونبذ كل أشكال خطاب الكراهية والانقسام، يمثل حجر الأساس لإنجاح هذا المشروع الوطني. كما أن المجتمع الدولي والإقليمي مطالب بدعم هذه الجهود من خلال الضغط على الأطراف المتنازعة، وتقديم المساعدات الإنسانية، ودعم عملية إعادة الإعمار.
السودان اليوم بحاجة إلى رؤية وطنية شاملة تنقله من مرحلة الصراعات والانقسامات إلى مرحلة السلام والعدالة والمواطنة المتساوية. إعلان نيروبي يوفر هذه الرؤية، والتحالف الوطني الديمقراطي يمكن أن يكون الأداة لتنفيذها.
الطريق طويل وصعب، لكن بالإرادة الوطنية والعمل الجاد، يمكن أن يصبح السودان وطنًا يسع الجميع، يحقق تطلعات أبنائه في الحرية والكرامة والعدالة.
السودان يستحق مستقبلًا أفضل.