متابعات دارفور: السودان
أثار اشتراط قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الانخراط في الحلول الأفريقية بإعادة عضوية السودان المجمدة في الاتحاد الأفريقي، جدلا حول الدور الذي يمكن أن تلعبه أفريقيا لحل الأزمة الحالية في البلاد الناجمة عن الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع لأكثر من 10 أشهر.
وقال البرهان لوفد آلية الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوي المعنية بالسودان برئاسة محمد بن شمباس في أول لقاء به في مدينة بورتسودان شرقي البلاد: “السودان يثق في الاتحاد الأفريقي وما يمكن أن يقدمه من حلول شريطة أن تعيد الدولة ثقتها في الاتحاد بالتعامل معها كعضو كامل الحقوق في هذه المنظمة”.
وكان الاتحاد الأفريقي قد أعلن في السابع والعشرين من أكتوبر 2021 تعليق عضوية السودان احتجاجا على الانقلاب الذي اطاح بالحكومة المدنية، لكنه ظل منخرطا في الجهود التي هدفت لإنهاء الأزمة السودانية وكثف من تلك الجهود في أعقاب اندلاع الحرب في منتصف أبريل، وسط مصاعب كبيرة واجهتها المبادرات الأفريقية خلال الأشهر الماضية.
سلسلة مبادرات
منذ الأسابيع الأولى من الحرب، تكثفت مساعي الاتحاد الأفريقي والهيئة المعنية بالتنمية في أفريقيا “إيغاد” لوقف الحرب، لكن على الرغم من الدعم الدولي الكبير الذي وجدته لم تكلل تلك المساعي بالنجاح حتى الآن.
ويتبنى الاتحاد الأفريقي خطة تشمل وقف إطلاق النار الدائم، وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح، وإخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن العاصمة، ونشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية، إضافة إلى معالجة الأزمة الانسانية والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.
وفي الجانب الآخر عقدت “إيغاد” ثلاث قمم استثنائية منذ اندلاع الحرب، وتقول الهيئة إنها تسعى للجمع بين قائدي الجيش والدعم السريع في لقاء مباشر لوقف الحرب.
وضع معقد
يرى مراقبون أن الشرط الذي وضعه البرهان مؤخرا أمام الآلية الثلاثية رفيعة المستوى قد يؤدي إلى تقويض الجهود الأفريقية، لكن آخرون يؤكدون أن الاتحاد يستند في جهوده الحالية على أنظمته ولوائحه التي تتيح له الانخراط في الجوانب المتعلقة بالحفاظ على الأمن والسلم، ووقف الحرب في أي بلد من بلدان القارة حتى وإن كانت مجمدة العضوية مثل السودان.
وكان الاتحاد الأفريقي قد شدد في سياق قرار تجميد عضوية السودان على الامتناع عن أي عمل من شأنه أن يقوض المبادرات والجهود التي يقودها الاتحاد والمنظمات الأفريقية الأخرى مثل “إيغاد”.
وفي حين أكد القرار على حق الاتحاد الأفريفي في فرض إجراءات عقابية على معرقلي التحول المدني، طلب من رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي اتخاذ التدابير اللازمة لزيادة تعزيز فريق التيسير التابع للاتحاد في السودان والتواصل الوثيق مع الأطراف المعنية بحل الأزمة.
الحل أولا
وفقا للسفير الصادق المقلي – الخبير في الشأن الأفريقي والدولي – فإن تصريحات البرهان بعد لقائه بوفد البعثة رفيعة المستوى للاتحاد الافريقي زادت من ضبابية الأوضاع وقلصت من درجة التفاؤل بإنهاء هذه الحرب والكارثة الإنسانية غير المسبوقة في تاريخ السودان الحديث، مضيفا “الحل ووقف نزيف الحرب لا يأتي بالشروط المسبقة بل بتوافر الإرادة السياسية واستشعار المخاطر التي تحيط بالبلاد”.
ورأى المقلي أن البرهان أوصد الباب أمام الحلول الأفريقية، وذلك بربطه القبول بالانخراط في مساعي الحلول الأفريقية باستعادة عضوية السودان كاملة في الاتحاد الأفريقي، لكنه أوضح في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية “الاتحاد الأفريقي يتعامل مع كارثة الحرب السودانية باعتبارها جزءا من مهامه المتعلقة بالحفاظ على السلم والأمن في المنطقة”.
ويضيف “البرهان يتحدث عن استعادة عضوية تم تعليقها بسبب انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر، في حين يشترط الاتحاد الافريقي إنهائه واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي لاستعادة عضوية السودان”.
ويشير المقلي إلى تضارب في التصريحات الرسمية، ففي حين تحدث البرهان في القاهرة عن الحل السلمي، عاد وأعلن امام وفد شعبي يوم الاثنين الاستمرار في الحرب، بينما صرح وزير الخارجية علي الصادق لوكالة سبونتيك الروسية بأن الحكومة مع “الحل السلمي التفاوضي و أنها قبلت مبادرة تركية ليبية”.
في ذات السباق، ينبه محمد خليفة صديق أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية والباحث بمركز الدراسات الأفريقية، إلى أن قرار تعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي جاء وفقا للمادة ثلاثون من قانون تأسيس الاتحاد والتي تقول “لا يسمح للحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد”.
ويقول صديق لموقع سكاي نيوز عربية إن انظمة الاتحاد الأفريقي تتيح له الانخراط في قضايا الحرب والنزاعات والمسائل الأمنية حتى في الدولة مجمدة العضوية.
ويوضح “بعد تجميد عضوية السودان أرسل الاتحاد بعثة إلى الخرطوم للتحاور مع كافة الأطراف بهدف إيجاد حلّ ودي للمأزق السياسي الذي نجم عن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر”.
وترى الكاتبة الصحفية صباح محمد الحسن أنه لا قيمة لرفض الحلول الأفريقية طالما كان هذا الرفض “يعبر عن وجهة نظر دوائر النظام السابق والتي لابد أن تكون ضد وقف الحرب لأنه يتعارض مع رغبة قياداتها التي تدير المعارك”، بحسب تعبيرها.
وتقول صباح الحسن إن زيارة لجنة آلية الإتحاد الأفريقي حملت رسالة تحذيرية من الخطر الذي يحيق بالسودان والقارة الأفريقية نتيجة استمرار الحرب.
وقالت إن الزيارة تشكل جزء من تحركات مكثفة تقوم بها الإدارة الأميركية والأمم المتحدة لمطالبة مجلس الأمن بصياغة مشروع قرار عاجل تسبقه مشاورات مع الأعضاء يعمل على الوقف الفوري للحرب.