متابعات دارفور : إنعام النور
يأتِ اليوم العالمي للمرأة و لا تزال الممارسات التي تؤدي الي إنتهاك حقوق النساء وقتلهن و تشريدهن في تزايد مستمر ، حيث تتحمل النساء في السودان و دارفور علي وجه الخصوص مخاطر متعددة في الملاجئ المكتظة للغاية ، يعيشون واقع مؤلم و مستفز سُلبت سبل عيشهن وأمنهن وكرامتهن من خلال جرائم مخيفة تتمثل في كافة أشكال الانتهاكات التي تحدث لهن بشكل شبه يومي.
العالم يحتفي باليوم العالمي للمرأة في الوقت الذي تعاني النساء في السودان ظروفا إنسانية وحقوقية غير مسبوقة ولا مثيل لها بالعالم ، هناك الملايين منهن يعشن حياة شبيهة بالمجاعة ، ولا يجدن ما يطعمن أطفالهن ، فيما تحول البعض منهن إلى ربات بيوت ينفقن على أفراد أسرهن بعد أن قتل العائل جراء الحرب ، شعار “الاستثمار في المرأة تسريع التقدم” هذا الشعار الذي لا تعرفه حتى معظم النساء والفتيات النازحات و اللاجئات من السودان لأنهن يكافحن للبقاء والعيش وسط مخاطر يومية في مخيمات النزوح و اللجؤ .
حرب السودان الذي دخل شهره الحادي عشر اختُطفت فيه الشابات والفتيات و أصبحن مستغلات جنسيا ، وتبقى شعارات مثل “لقد تم إغتصابي” مهينآ لألاف النساء اللاتي يعانين من مصاعب الحرب والنزوح و اللجؤ وتبقى قائمة الانتهاكات والمعاناة التاريخية والحالية للنساء في الحرب طويلة ويتواصل تحديثها باستمرار.
الحرب في السودان فرضت معادلة جديدة بشكل مفاجئ وكثير من النساء والأسر فقدت عائلها وتشردت ملايين الاسر واغلبهن من النساء واطفالهن في مخيمات النزوح و اللجؤ التي يفتقر معظمها لأبسط مقومات الحياة ولا يتوفر في معظمها أي خدمات صحية او أولية ولا تعليمية للاطفال ولا غذاء مناسب ولا خدمات الحماية الاجتماعية.
لا شيء سوى معاناة يومية أغلي فواتيرها تدفعها النساء والفتيات ، وبالرغم من عملي الصحفي إلا اني لم افكر في كتابة اي مادة صحفية حول مناسبة اليوم العالمي للمرأة ولم انتبه حقيقة للمناسبة لان واقع المعاناة اليومية لم يسمح لي بتذكر هذه المناسبة فالأمل في تحقيق السلام ما زال صعب المنال.
و بالرغم من مشاركتها في الحراك الثوري و سعيها لتأسيس مرحلة جديدة من النضال من أجل حقوق النساء في المشهد السياسي إلا أن الحكومات ساهمت في خلق وضع معقد للمرأة و أجبرتها علي أن تعيش واقع صعب وظروفا قاسية ، وزيادة على هذه المعاناة تخوض الآلاف من النساء محنة فقدان رعايتهن من الرجال الذين تم قتلهم وآخرون في السجون و المعتقلات و المختفين قسريا و المشردين الي دول آخري .
و على صعيد النزوح الداخلي و اللجؤ يؤسفني أن أؤكد بأن النسبة الأكبر من أعداد النازحين و اللاجئين الذين أجبرتهم حرب السودان علي النزوح داخل الولايات و اللجؤ هم من النساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49 عامًا ، و تشكل النساء والأطفال ما يقارب ال 86% من النازحين و اللاجئين ، و أنهن أكثر عرضة للعنف القائم على النوع في الظروف غير العادية بما في ذلك العنف الجنسي والاغتصاب جراء إنهيار آليات الحماية .
ايضآ يؤسفني ان اسلط الضؤ علي ما تعانيه النساء و الفتيات من معوقات وصعوبات بعد قتل مُعيل الأسرة او التشرد في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية الأمر الذي يترك المرأة وحيدة أمام مرتكبي الانتهاكات والذين غالبًا ما يستغلون حاجتها للمال في مقابل إجبارها على الجنس والممارسات التي تحط من كرامتها الأمر الذي حظره القانون الدولي وجرمه بشكل واضح ، تختلف قصص عبور النساء اللاجئات و النازحات من السودان ، لكن يجمعهن في شهاداتهن على أن المال يعد اللبنة الأولى من أجل محاربة العنف الاقتصادي ، فالبوح يبقى واحدة من آليات المواجهة القليلة الباقية للنساء ، إنْ لم يكن لتحقيق العدالة فعلى الأقل لتحذير الأخريات من المعتدي.
و تختلف مأساة و معاناة النساء الحوامل في السودان و خاصة في دارفور في ظل و مواجهة الحرب الحالية وسط أوضاع مأساوية ومشاعر من الألم والرعب على رضعهن وأطفالهن مما هو آت ، وفي ظل ضغوط نفسية بسبب الآثار الكارثية للحرب بدءا من ترك منازلهن ، مرورا بفقدان مقومات الحياة ، وصولآ لفقدان أفراد من عائلاتهن وأطفالهن”.
قد نتفق جميعا على أن الحرب في السودان فظيعة وأن النساء والفتيات يعانين من آثارها لكن علينا أيضا أن نعترف بأن العنف ضد المرأة يتخذ أبعاد مروعة نظرا لكون النساء في السودان وحتى في أوقات السلم ضحايا للكراهية المبنية على جنسهن ، والازدراء والقهر الديني/التقليدي، وعدم المساواة في الحقوق ، ومجموعة واسعة من أنواع التمييز الأخرى ويتضاعف الظلم وسوء المعاملة في زمن الحرب .
علينا إدانة و إستنكار المخالفات الواضحة للعديد من الاتفاقيات التي كفلت ووفرت الحماية الخاصة للنساء ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة لإتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز العنصري ضد المرأة وغيرها التي كفلت العديد من الحقوق الأساسية للمرأة بل وجرمت أي اعتداء على تلك الحقوق أو حتى الانتقاص منها.
و حتي لا يكون اليوم العالمي للمرأة مجرد شعارات ترفع في المحافل ، أدعو كافة المنظمات النسوية والمجتمع الدولي والمنظمات الأممية و الجهات ذات الصلة لتحمل مسؤولياتها وواجباتها القانونية والأخلاقية والتدخل العاجل من أجل توفير الحماية الكاملة للنساء في مقدمتها الضغط الدولي لتقديم المخالفين للمحاكمة العادلة أمام الجميع نظير انتهاكاتهم المتكررة لحقوق الإنسان لا سيما حقوق المرأة .
التحية لنساء السودان الصامدات في ظل القصف المستمر ، اللاجئات و النازحات ، عاملات ومتعلمات ومحرومات من التعليم ، معنفات ومغتصبات وناجيات من العنف وضحايا الإتجار بالبشر ، محرومات من حضانة أطفالهن وممنوعات من إعطاء جنسياتهن لأولادهن ، وملاحقات بإسم الشرف وضحايا لبتر البظور وتشويه الأعضاء التناسلية ، وناجيات من الحروب ومكرهات على الزواج وعلى الإنجاب في سن مبكرة.