متابعات دارفور
تشهد حركتا العدل والمساواة وتحرير السودان انقسامات حادة على خلفية إعلان زعيميهما وزير المالية جبريل إبراهيم وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي الانحياز للجيش والانضمام إلى الحرب.
وجاءت خطوة مناوي وإبراهيم على إثر إعلان قوات الدعم السريع عن لقاء جمع القائد الثاني عبدالرحيم دقلو وقيادة قوات القوة المشتركة للحركات المسلحة في دارفور تم الاتفاق خلاله على تشكيل قوة مشتركة لـ”تأمين إقليم دارفور ومحاربة الظواهر السالبة والتنسيق المشترك لتفويت الفرصة على الذين يسعون للإيقاع بين الدعم السريع وحركات دارفور المسلحة”.
وقال زعيما حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان في مؤتمر صحفي في بورتسودان شرقي البلاد إنهما قررا “الخروج عن الحياد والمشاركة إلى جانب الجيش السوداني في العمليات العسكرية”، التي تجري في الخرطوم وعدد من مناطق إقليمي دارفور وكردفان.
وعزا جبريل ابراهيم القرار بنقل الدعم السريع الحرب إلى كردفان ودارفور في تكرار لما أسماها بـ”التجربة الحفترية” (نسبة إلى خليفة حفتر) في ليبيا، واعتبر أن ذلك يهدد وحدة الوطن أرضاً وشعباً.
وقرار جبريل إبراهيم وأركو مناوي شكّل صدمة للقيادات داخل الحركتين اللتين سارعتا إلى التبرؤ من إعلان الطرفين، مشددة على حرصها على البقاء على الحياد وعدم التورط في الحرب.
الانقسامات التي تعصف حاليا بالحركات المسلحة في دارفور تنذر بدخول البلاد مرحلة جديدة من الصراع تصعب السيطرة عليها
وبدا واضحا من خلال ردود الأفعال أن قرار زعيمي حركتي العدل والمساواة جناح جبريل ابراهيم وتحرير السودان جرى دون تنسيق مسبق مع باقي قيادات الحركتين، الأمر الذي خلف أزمة داخلية تنذر باستئناف مسلسل الانقسامات داخلهما. وأعلنت حركة تحرير السودان رفضها القاطع لمخرجات المؤتمر الصحفي الذي عقده جبريل ومناوي.
وقالت الحركة في بيان بتوقيع الناطق الرسمي للحركة فتحي عثمان أحمد إن تجمع قوى تحرير السودان يعرب عن رفضه القاطع لتمثيله في أيّ محفل أو الحديث بلسانه دون تفويض بموجب دستور، ولوائح التجميع، ودون تكليف رسمي من القيادة السياسية.
وتبرّأ التجمع من مشاركة صلاح الولي في المؤتمر الصحفي حيث قال إن مشاركة الولي تمت دون تفويض أو تكليف يا قيادة التجمع.
واعتبر التجمع أن صلاح الولي في مشاركته تلك لا يمثل إلا نفسه وأن الحركة غير معنية وغير ملزمة بكل مخرجات مؤتمر جبريل ومناوي.
وأكدت الحركة التزامها بموقف الحياد والسعي لوقف الحرب عبر الطرق التفاوضية واستعادة التحول المدني الديمقراطي.
وأظهر جبريل إبراهيم وأركو مناوي منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع انحيازا ضمنيا للجيش، وقد نتجت عن ذلك انقسامات لاسيما في صفوف حركة العدل والمساواة.
ويقول متابعون إن جبريل إبراهيم كما مني أركو مناوي واقعان تحت تأثير الحركة الإسلامية، والتي نجحت خلال العقود الماضية في التغلغل داخل الحركتين، وإن هناك مصالح شخصية وحسابات خاصة تقف خلف موقف الجانبين.
ويشير المتابعون إلى أنه مع سيطرة قوات الدعم السريع على أكثر من ثمانين في المئة من مساحة إقليم دارفور، بات الطرفان يخشيان على نفوذهما داخل الإقليم، وهما يحاولان اليوم تدارك الوضع إلى جانب الجيش، لكن الرفض والممانعة التي يلاقيانها من شأنها أن تضاعف من أزمتهما، وقد تجردهما من أدوات التأثير في حال أصرا على عدم الإصغاء إلى الأصوات الرافضة داخل حركتيهما.
وكانت قوات الدعم السريع سيطرت على ثلاث ولايات بدارفور (جنوب ووسط وغرب)، وتسعى اليوم للسيطرة على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تحرسها قوات مشتركة من الفصائل المسلحة.
ويرى المتابعون ومسؤولون أمميون أن الانقسامات التي تعصف حاليا بالحركات المسلحة في دارفور من شأنها أن تعمق أزمة السودان، وتنذر بدخول البلاد مرحلة جديدة من الصراع قد تصعب السيطرة عليها.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من تعاظم خطر الانهيار الكامل للسودان أو اندلاع حرب أهلية شاملة كلما طال أمد النزاع، “مما يسبب المزيد من الأذى للشعب السوداني وشعوب المنطقة”.ودعا غوتيريش طرفي النزاع في السودان إلى وقف القتال فورا والالتزام بوقف دائم للأعمال العدائية ممّا يمهد الطريق لإجراء حوار شامل واستئناف الانتقال السياسي الديمقراطي لاستعادة النظام الدستوري. جاء ذلك في تقريره عن الحالة في السودان المقدم إلى مجلس الأمن والذي يغطي الفترة بين 21 أغسطس و31 أكتوبر الماضيين، وفقا للموقع الرسمي للأمم المتحدة.
وأشار التقرير إلى أن النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تسبب في كارثة إنسانية في السودان، حيث يواصل الطرفان السعي لتحقيق نصر عسكري ويكثفان عملياتهما ويوسعانها دون أيّ إشارة تدل على وقف التصعيد.
ونبّه التقرير إلى أن المدنيين يدفعون أفدح الأثمان. ولا بد من الإسراع بوضع حد لآلام الشعب السوداني ومعاناته. ورحب الأمين العام في تقريره باستئناف محادثات جدة داعيا الطرفين إلى اغتنام هذه الفرصة للاتفاق على وقف إطلاق النار وتيسير إيصال المساعدات الإنسانية.
وأشاد غوتيريش بجميع المبادرات التي تقوم بها الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية للمساعدة في حل النزاع. وقال إن هذه الجهود، كي تكون فعالة، يجب أن ترتكز على تنسيق واتساق قويين لتحقيق نتائج ملموسة وتجنب احتمال حدوث استجابة دولية مجزأة.
وتجري مفاوضات منذ أكثر من أسبوعين في جدة بين الجيش وقوات الدعم السريع، لكن هذه المفاوضات لا تزال متعثرة، ولا يبدو أنها في وارد تحقيق أيّ اختراق على ضوء التطورات الميدانية. ويقول مراقبون إن الإشكال الأساسي يكمن في أن بعض الأطراف في الداخل ولاسيما الحركة الإسلامية لا تزال تمسك بمفاصل القرار داخل الجيش وأيضا لدى بعض الحركات المسلحة، وترى بأن أيّ تسوية في ظل الوضع الميداني الراهن والذي يرجح كفة الدعم السريع هو تهديد وجودي لها.
ودعا القائد الثاني للدعم السريع عبد الرحيم دقلو الثلاثاء الماضي الفصائل المسلحة في دارفور للقيام بواجبها مع قوات الدعم السريع في توفير الأمن والاستقرار في الإقليم.
وشدد دقلو على أن وحدة السودان خط أحمر لن يُسمح المساس بها، مؤكداً أن قوات الدعم السريع ستقف بالمرصاد لكل مَن يسعى للفتنة في دارفور.