محمد عثمان
أعمال العنف المؤسفة والفظيعة مؤخراً في جنوب ووسط وغرب دارفور ، والان شمال دارفور ليست جديدة ، بل لها تاريخ طويل ومرير وهي امتداد لصراعات منتصف ثمانينات القرن الماضي ، إبان الجفاف الذي ضرب مناطق الشمال ، فجعل من مناطق الجنوب مجال للصراع حول موارد الغطاء النباتي ، حيث استوطنت وخاضت معارك القبائل الزاحفة شمالاً من رعاة الإبل من الزغاوة والعرب المهارية والشطية وام جلول والعريقات والعطيفات ، الذين يسكنون الاجزاء الشمالية العليا من حزام الصحراء ضدالمزارعين المستقرين ١٩٨٠ والزغاوة ضد رزيقات٦٩ وزغاوة ضد البرقد ٧٤ .
يشير محمد سليمان محمد في حروب الموارد والهوية ، إلى أن التوثيق البارع للنزاع الذي اورده الباحث شريف حرير ، والذي يعتبر مصدراً اساسياً للمعلومات عن النزاع في كل مراحله منذ الثمانينات ، أكد بحق دلالة ما يسمى ( لعنة الموقع الإستراتيجي) وهو ما ينطبق على الأحداث الاخيرة ، حيث تظهر فيه الأعمال الانتقامية بقصد التهجير لصالح القبائل العربية والقبائل الرعوية للسيطرة على الأرض ، إذ تمت في قرى العودة الطوعية ( اموري وتقلا وكبقي واربعاء جميزة وحميضة وكترة شطي وقشتير وقلقلاي ودوكا وام ترينا وعشما وكمسكي ) ، فقد حُرقت هذه القرى بالكامل ؛ وقد جاءت نتيجة أعمال انتقامية لمقتل أحد أبناء العرب نتيجة ملاحقة على مقتل احد ابناء الداجو في حادثة قطع طريق حسب ما ورد في بيان لأبناء الداجو من العام ٢٠٢١.
قبيلة الداجو ، حسب التقسيم الإداري للأراضي في دارفور هم اهل تلك الديار ، بالملكية التاريخية كأهل سلطنة لها إسم في تاريخ دارفور الممتدة حتى مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور ؛ وتشير كلمة نيالا حسب لغتهم المحلية لمعنى ( محل ونسة ) .
تعرضت قبيلة الداجو لتهميش في سياق الصراع على السلطة والموارد في دارفور في تجليه الأخير ، فكانوا هم ضحايا التهجير في اوقات الحرب ، ولم تشمل عملية السلام ترتيبات بإستيعاب لوضعهم ، فملفات التعويضات وجبر الضرر واعادة الإعمار والعدالة …الخ ، لم تنفذ ، وليست في موضع اهتمامات أطراف عملية السلام (بعض من العرب والزغاوة والفور والمساليت) من قبائل الشمال والوسط والغرب الدارفوري بشكل اكثر وضوحاً ، الذي اتخذ طابع تحالف ( منتصرين ) أكثر منها تسوية عادلة لتحقيق سلام عادل وشامل .
تفتح هذه القضية ، الباب واسعاً امام اسئلة السلام الجديدة ؛ فهناك طرف من الصراع اصبح يستقوى ( بسلاح الدولة والقبيلة ) في حالة قوات الدعم السريع الذي تشير المعلومات من هناك بضلوع ابناء القبائل العربية والرعويه في تلك المناطق ، في الصراع الأخير ؛ وهو تحدي مزدوج ، في كيفية ضمان حياد جهاز الدولة في مثل هذه الحالات ، وكيفية الفصل بين سلاح القبيلة والدولة في اي عمليات تجريد من السلاح بقصد بناء السلام وتحقيق العدالة والإنصاف . وهناك تحدي آخر ، ممثلاً في تقوية موقف أصحاب المصلحة والحقوق التاريخية في تنفيذ إتفاق السلام الذي لم يلبي طموحات شعوب دارفور كحق قانوني يمنع ويحول دون لجؤها لحمل السلاح في ظل تحالفات القوى المسلحة من المتحاربين السابقين .
الآن يجب أن نضع مسالة السلام ، في عمق الإهتمام الوطني بصورة اكثر جدية ، بحيث لا تصبح امتيازاً سلطوياً لأطراف هي فعلاً غير محايدة في الأحداث التي تقع الان.
وهناك حركة نزوح كبيرة من القرى المحروقة . وحتي المدن وخصوصا جنوب وغرب ووسط دارفور هذه الموجه ربما تعيد بناء الأزمه في دارفور بشكل مغاير مما يحتاج من الفاعلين السياسين مراجعة خطاب المظالم لتوفير حد ادني من متطلبات التعايش ما بعد الحرب .
في حرب الدعم السريع والجيش السوداني لا يوجد محايد في دارفور علي الاطلاق وانما هنالك اصطفاف واضح عمق من عنف الحرب علي المواطنين هذا الانحياز ذو الطابع العرقي القبلي من جميع مكونات دارفور جعل من اللون البشري كرمز للتميز للقتل والسحل كما حدث في آخر معارك الدعم السريع بغرب دارفور في منطقه اردمتا ، إذ تمت تصفيات لأسر بعينها بناء علي انتمائهم القبلي ولا احد يستطيع أن يأتي بمبرر غير ذالك .
ان حرب القوات المسلحه السودانيه بمليشياتها بمختلف المسميات هو إعادة تدوير الصراع في دارفور بشكل اخص لتغيير ديمقرافي بعد أن فقد السودان جنوبه العزيز ، وتحمل هذه الحروب في بواطنها تعقيدات تحتاج تفكير بشكل مختلف اذا اراد الناس السلام .