الفاشر تحت قبضة الموت: كيف صنع “أبو لولو” مجزرة القرن في دارفور؟

متابعات دارفور: السودان

دخل الفاتح عبد الله إدريس، المعروف باسم «أبو لولو»، مدينة الفاشر ليحوّلها خلال أيام قليلة إلى مقبرة جماعية. المدينة التي كانت حتى وقت قريب قلب ولاية دارفور النابض بالتاريخ والتجارة، تحوّلت إلى مسرح لرعب مدوٍّ، حيث سُمع صراخ المدنيين واختلط مع صوت الرصاص الحي الذي كان يسكّتهم إلى الأبد.

أبو لولو، قائد ميداني في قوات الدعم السريع، والمكلف بقيادة كتائب الجنجويد، بات رمزًا للمجازر الأخيرة التي شهدتها المدينة منذ سيطرة الدعم السريع عليها في 26 أكتوبر 2025. مقاطع مصوّرة نُشرت على منصات التواصل الاجتماعي تُظهر عمليات إعدامات ميدانية، تعذيب، ونقل جثث، بينما يحتفل المقاتلون على أنغام القتل، مع إطلاق شعارات تمجّد قائد الدعم السريع حميدتي.


مقاطع مصوّرة واعتداءات ميدانية

تظهر المواد المصورة قيام أبو لولو وعناصره باحتجاز المدنيين قبل إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، إضافة إلى تصوير عمليات التنكيل بالجثث وحرقها. وأظهرت المقاطع أيضًا إجبار الرهائن على تمجيد قائد الدعم السريع قبل قتلهم، في مشهد يُعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف بشأن حماية المدنيين.

أحد الفيديوهات الأكثر تداولًا وثّق احتفال أبو لولو مع عناصره قبل أحداث الفاشر، قائلاً: «قتلنا 900 وسنصل قريبًا للألف». وفي بث مباشر على تيك توك، اعترف بقتل أكثر من 200 مدني، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، لكنه أنكر انتماءه لقوات الدعم السريع، مدعيًا أنه كان يرد على اعتداءات الجيش السوداني.

حقوقيون أكدوا أن هذه المواد تُظهر تنفيذًا منهجيًا للقتل على أساس الانتماء العرقي والجنس، وهو ما يُصنّف ضمن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.


شهادات ناجين ومفقودين

أفادت شهادات عدد من الناجين بأن الدعم السريع قام بفصل المدنيين عند محاولتهم الفرار حسب الجنس أو الهوية العرقية، واحتجز الكثير منهم مقابل دفع فدية تتراوح بين 5 و30 مليون جنيه سوداني.

شهادات أخرى نقلت عن مقاتلين تابعين لقوات الدعم السريع أنّهم نفّذوا عمليات تصفية جماعية للمدنيين الذين حاولوا الفرار، وأكدت الشبكة السودانية للأطباء سقوط ما يزيد على 1500 قتيل خلال ثلاثة أيام فقط، ضمن أكثر من 14 ألف ضحية سقطوا في الفاشر منذ بداية الصراع.


اعتقال أبو لولو: مسرحية أم محاسبة؟

في 28 أكتوبر 2025، أعلن قائد قوات الدعم السريع، محمد حميدان حميدتي، عن اعتقال أبو لولو تمهيدًا لمحاكمته، مصرحًا بأن جميع المدنيين سيتمتعون بحرية الحركة.

لكن مراقبين حقوقيين وسكان محليون وصفوا الاعتقال بأنه «مسرحية استعراضية»، مشيرين إلى أن الاعتقال جاء بعد تسجيل مقتل 2000 شخص في يومين، وأن محاكمة أبو لولو لن تكون عادلة أو مستقلة ما لم تُجرَ تحقيقات دولية محايدة تشمل جميع المسؤولين عن المجزرة، بمن فيهم القادة الكبار في قوات الدعم السريع.

حاكم إقليم دارفور وصف العملية بأنها «مسرحية سمجة»، مطالبًا باعتقال قائد الدعم السريع وأشقائه وكل من نفذ تعليماتهم، مؤكدًا أن العدالة لن تتحقق إلا بالتحقيق الجدي والمحاسبة الشاملة.


توثيق دولي وحقوقي

أدانت الأمم المتحدة وحقوقيون دوليون الجرائم، مؤكّدين أن الدعم السريع استهدف المدنيين والمنظمات الإنسانية، بما في ذلك المستشفيات ومراكز الإيواء. تقارير أممية وصحفية ذكرت أن مستشفى الولادة السعودي بالفاشر شهد مقتل أكثر من 460 مدنيًا، بينما نفت قوات الدعم السريع استهداف المدنيين رسميًا.

منظمات حقوقية محلية مثل «محامو الطوارئ» أكدت تورط ميليشيا الدعم السريع في ارتكاب جرائم ممنهجة ضد المدنيين، تشمل القتل، التعذيب، الإخفاء القسري، والنهب، مستندة إلى تسجيلات فيديو وشهادات ناجين.


الفظائع الرقمية: جرائم تُبث وتُحتفى بها

ما يميز أحداث الفاشر عن غيرها هو توثيق المجرمين لأفعالهم ونشرها على الإنترنت، سواء على تيك توك أو تيليغرام، كنوع من الاحتفال بالقتل. أبو لولو نفسه نشر مقاطع تحوي اعترافاته بقتل المدنيين، محتفلًا بها وكأنها إنجاز.

خبراء حقوقيون اعتبروا أن نشر هذه المواد يشكل دليلًا رقميًا قويًا لإدانة مرتكبي الجرائم، ويجب استغلاله في التحقيقات الدولية، بدلًا من السماح باستمرار الإفلات من العقاب.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد