طيران الجيش يستهدف الشريان المالي لقوات الدعم السريع في منطقة سنقو بدارفور

منجم سنقو

متابعات دارفور: السودان

في تصعيد جديد ضمن العمليات العسكرية الجارية في السودان، شنت القوات المسلحة ، عبر الطيران الحربي، هجمات على مواقع اقتصادية استراتيجية تتبع لقوات الدعم السريع في منطقة سنقو الواقعة بولاية جنوب دارفور.

وشملت الضربات مناجم الذهب في منطقتي مجنغر وأشقر، إلى جانب مواقع شركة الجنيد التي تعد الذراع الاقتصادية الأبرز لقوات الدعم السريع .

وأشارت المصادر إلى أنه جرى إغلاق جميع مراكز تقديم خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية “ستارلينك”، التي يُطلق عليها شعبيًا “واي فاي”، في المنجم منذ صباح يوم الاثنين.

مركز استراتيجي

هذه الضربات، وفق مراقبين ومحللين، ليست مجرد عملية عسكرية عادية، بل تحمل في طياتها رسالة استراتيجية تهدف إلى تقويض البنية المالية والاقتصادية لقوات الدعم السريع، ما يمثل تحولاً جذرياً في ديناميكيات الحرب.

وتُعتبر منطقة (سنقو) ، غنية بالثروات المعدنية خاصة الذهب، وتسيطر عليه شركة جنيد التابعة لقوات الدعم السريع ، وفيها مناجم (أغبش، ضرابة وثريا، سرفاية وجمبانة ومجنغر وأشقر) وغيرها من مناطق التعدين التي تنتج اطنانًا من الذهب .

ويصف الصحفي منصور علي، المتخصص في قضايا دارفور والموارد الطبيعية، منطقة سنقو بأنها “الرئة الاقتصادية التي تتنفس عبرها قوات الدعم السريع.

ويضيف منصور : الذهب المستخرج من سنقو ليس مجرد مورد اقتصادي؛ بل يُستخدم بشكل مباشر كوسيلة لتغطية تكاليف العمليات العسكرية وشراء الولاءات السياسية،و أي استهداف لهذه المناطق يعني توجيه ضربة مباشرة لقلب شبكة التمويل التي تعتمد عليها الدعم السريع .

ذراع قوات الدعم الاسريع

وتعد شركة الجنيد واحدة من الأذرع الاستثمارية الأكثر نفوذاً لقوات الدعم السريع ، إذ تتولى إدارة واستثمار عائدات الذهب المستخرج من مناجم سيطرت عليها آل دقلو منذ سنوات.

ويشير الخبير الاقتصادي دكتور هيثم عبدالرحمن إلى أن الشركة تعمل كواجهة مالية لقادة قوات الدعم السريع ، حيث قال :شركة الجنيد ليست مجرد مؤسسة اقتصادية؛ بل هي بمثابة بنك مركزي موازٍ يمول العمليات العسكرية ويتيح لهذه القوات شراء الأسلحة وتجهيز قواتها.

و أضاف عبدالرحمن ان الضربات الجوية التي استهدفت مواقعها في سنقو تضعف قدرة الدعم الاسريع على تمويل نفسها وتعكس إدراك الجيش لأهمية قطع الشرايين الاقتصادية كوسيلة لحسم المعركة.

ويضيف أن عمليات التنقيب عن الذهب التي تقوم بها الشركة تمتد عبر شبكات تهريب واسعة النطاق، حيث يتم نقل الذهب بشكل غير شرعي إلى دول مجاورة ومنها إلى أسواق عالمية مثل الإمارات، وهو ما يشكل اختراقاً اقتصادياً خطيراً على مستوى الإقليم.

تهريب الذهب

وبحسب تقارير دولية، يعد تهريب الذهب أحد أبرز أدوات التمويل التي اعتمدت عليها المليشيا لتعزيز نفوذها السياسي والعسكري.

وفي هذا السياق، أشار بيان صادر في وقت سابق عن الحكومة البريطانية إلى أن “عمليات تهريب الذهب من السودان، والتي تديرها شبكات ترتبط بشركة فاغنر الروسية وشركاء إقليميين، تُعتبر حاسمة في دعم الاقتصاد الروسي الذي يعاني من العقوبات الدولية بسبب غزو أوكرانيا.

ويرى الخبير في شؤون التعدين الصادق فضل أن المعادلة تغيرت بعد إغلاق المجال الجوي السوداني في بعض المناطق المضطربة بسبب الحرب ، مما صعّب عمليات تهريب الذهب وجعل قوات الدعم السريع مضطرة لتغيير طرقها التقليدية.

ويضيف :ضرب مناجم الذهب في سنقو يعني القضاء على مورد مالي رئيسي، ليس فقط للدعم السريع ، بل أيضاً لشبكات دولية مستفيدة من هذا النشاط غير المشروع.

متعددة الأبعاد

لا تقتصر أهمية الضربات الأخيرة على الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل أبعاداً استراتيجية وسياسية ، و يقول الباحث في الشؤون الأمنية عمر النور :هذه الضربات تعكس تحولاً في استراتيجية الجيش نحو استهداف البنية التحتية الاقتصادية ،و من المعروف أن الحروب لا تُحسم فقط في ساحات القتال، بل أيضاً عبر إضعاف قدرة العدو على تمويل نفسه .

ويشير النور إلى أن هذه الخطوة تحمل رسالة سياسية واضحة أيضاً، مفادها أن الجيش مصمم على إنهاء أي وجود اقتصادي مستقل للدعم السريع ، مما يعزز من موقف الدولة السودانية في استعادة السيطرة على مواردها الطبيعية.

أصوات دولية

وتزامنت الضربات الجوية مع تصاعد الاهتمام الدولي بعمليات تهريب الذهب السوداني، فقد أكدت تقارير بريطانية وأمريكية أن تهريب الذهب يمثل “خرقاً للسيادة السودانية ومصدر تمويل غير شرعي للصراعات الإقليمية.

ويرى المحلل السياسي أحمد الفكي أن المجتمع الدولي قد يستخدم هذه التطورات كمدخل للضغط على الاطراف المتورطة في تهريب الذهب، خصوصاً مثل دولة الامارات وشركة فاغنر وتمثل الضربات الجوية التي استهدفت مناجم الذهب وشركة الجنيد في منطقة سنقو نقطة تحول في الحرب السودانية.

و تابع ضعف القاعدة الاقتصادية لقوات الدعم السريع يعني تقليص قدرتها على تمويل العمليات العسكرية واستقطاب المرتزقة،وفي ظل التحركات العسكرية والدبلوماسية المتسارعة، يبدو أن المعركة على الموارد ستظل إحدى الجبهات الرئيسية في الحرب، مع تأثيرات تمتد على المستويين المحلي والدولي.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد