أ / محمد حسن دولي
عندما تغيب السياسة والصراعات الجانبية عن ساحة العمل الانساني تنمو مؤسساته بصورة تلقائية وتقوى اركانه ، ومن ثم تنعكس بصورة مباشرة على مستويات القضايا المختلفة ، فتنخفض الانتهاكات تدريجياً وينعم الانسان بالسلام المنشود ، وتتخلق بصورة طبيعية فضاءات صالحة للعمل ، الذي يقود الى المنافسة الحرة والشريفة ، عليه اود ان اشير الى ان حساسية مواضيع حقوق الانسان ، يحتم علينا ان نعمل تحت ظلال الاضواء المنخفضة ، بحيث يتم استحضار جميع معايير العمل الانساني والمبادي التي تقوم عليها ، حتى نتجنب ايذاء الضحايا وان نتعامل معهم وفق وثيقة (حقوق الضحايا) الراسخة في المعاهدات الدولية لحقوق الانسان ، التي تضمن وجوب حمايتهم وصون كرامتهم وضمان جميع حقوقهم ، وفوق كل هذا علينا ان نعمل من اجل حماية جميع الحقوق في الوطن الذي ظل تتصاعد فيه اصوات الانتهاكات ، وتنخفض فيه الاصوات الداعية الى السلام والتعايش وقبول الاخر لقرن من الزمان ، وبصورة مستمرة حتى كاد ان تخبُو فيه شعلة الامن والطمأنينة.
وبما ان المفوضية السامية لحقوق الانسان ، تركز بصورة اساسية على منع (انتهاك حقوق الانسان) الا انها لاتعمل لوحدها ، بل تعمل تحت شبكة وطنية عظيمة من مناصري قضايا حقوق الانسان ، فان الاعلان العالمي لحقوق الانسان يدعوا الى ضرورة تولي القانون مسائل حماية حقوق الانسان لضمان المحاكمات العادلة وتجنب الظلم والافلات من العقاب عبر اجهز الدول وهذه البوابة هي بوابة حماية الكل دون تحيز و تمييز ، ان مسألة حماية الحقوق المدنية والسياسية والثقافية والاجتماعية تتعارض مع الرغبات الشخصية والجماعية الناجمة عن عمليات الاقصاء والتكتلات التي تولد الغُبن ومن ثم الصراعات التي من شانها ان تعطل التزامات الدولة تجاه حقوق الانسان وتتجنب تنفيذ تعهداتها ، وهذا الفعل الخطير سيحول دون وضع السياسات الفعالة التي تعزز حماية الحقوق.
المراقب لواقع الفاعليين في فضاء العمل الانساني والتطوعي السوداني ، الذين يعملون في حقوله المختلفة ، يعتصره الالم ويتيقن بان القادم اسواء ، قياساً لظروف اندلاع حرب 15 ابريل ، هذه الحرب اللعينة وما نتج عنها من اَثار نفسية واقتصادية مدمرة ، انعكس بصورة مباشرة على النتائج والتماسك والاداء وعمليات الرقابة، واننا على وشك فقدان مصداقيتنا وانسانيتنا وقضيتنا واخلاقنا ، لصالح من يريد افراغ هذا الحقل من ثماره الجيدة ، علينا ان نتذكر ما يميزنا نحن عن غيرنا ، اننا نمتاز بانسانيتنا المفرطة تجاه قضايانا ، بالرغم من اختلاف توجهاتنا واتجاهاتنا ، واننا نستطيع ان نجعل من اختلافاتنا مصدراً لقوتنا ووحدتنا ، وليس سببا لضعفنا ، ان ما فعلته هذه الحرب اللعينة فينا جميعاً لهو شيء فظيع للغاية ، الا انها لا تنفصل عن التجارب السابقة والمستمرة من الفظاعات الناجمة عن الانتهاكات التي مرت على شعوبنا المختلفة في جنوبنا، وفي دارفور،والنيل الازرق وجنوب كردفان وشرقنا الحبيب.
بالرغم من صنوف المعاناة والمرارات المتكررة ، يظل الوطن الحبيب هو الحاضر فينا ، ولم تغيب اهمية انسانه عنا ، الذي يرجو منا نحن سلامته وحمايته ، وسوف يظل الاول في تفكيرنا ، وفي كل لحظة ، لذا علينا ان نرفض الانصراف الى الثانويات ، وان نوجه طاقاتنا نحو اهدافنا السامية ، وان نعطي لقضايانا الاساسية التي اجتمعنا حولها اولوياتنا.
ان قلة الفرص الاقتصادية الاستثمارية وانعدامه لغالبية الشعب السوداني نتيجة للحرب لذا علينا ان ندعوا الى ايقافها، وعليها فقد الغالب من الفاعلين في المجال الانساني مصادر دخولهم فارتفع مستوى التنافس على قلة المانحين ، حيث لجأ وتقسم جُل الفاعلين الى الدول القليلة التي تسمح باقامة مناشط تطوعية وبصورة جزئية ، فضاق بهم المجال ، وفعلت بهم الاثار النفسية المصاحبة للحرب ما لم يفعله المتحاربين انفسهم ، وان تماهي البعض منا في قضايا سياسية وجهوية واثنية قد جعل امام تحدياتنا عوائق اضافية لا نستطيع الخروج منه الا بالرجوع الى قيم اخلاقنا ومبادئنا.
ان تصدير قضايا حقوق الانسان يتطلب منا تحمل العقبات التي تعتري طريقنا ، ويتطلب منا التجرد من كل فعل يمكن ان يخفض صوت الانسانية لصالح صوت الصراعات البشرية ، مع استحضار القيم الاخلاقية العليا والدنيا وتفعيل دور الاحساس الصادق تجاه احتياجات انسان السودان الانية والمستقبلية.
ان مقترح التوقيع على ميثاق الشرق ، هي محاولة لتجنب التصعيد الضار وخطوة نحو الامام وتنازل عن الصغائر ، حيث اتقدم به الى معاليكم للعمل به من باب المسؤولية تجاه مجتمعاتنا المحلية وتجاه انفسنا وقضاينا والتزاماتنا ، كما اود ان اشير الى معلومة عامة تعلمونها جميعاً ان اي فكرة او مقترح يتقبله البعض وليس الكل ، ويحق لكم رفضه من ابواب كثيرة ، وان رفضه لايعني رفضكم لقضايا الحقوق ، وانما يكفي منكم الاطلاع عليه واستحضار الدور المنوط بنا ، مع التفكير في الحلول الممكنة.
لماذا لا نجتمع علي ميثاق شرف؟