بقلم: محمد عبد الرحمن الناير (بوتشر)
●فيما يتعلق بشأن مفاوضات جنيف المرتقبة ودعوة الولايات المتحدة الأمريكية لطرفي الصراع (الجيش والدعم السريع) للحضور وتلبية الدعوة لمناقشة موضوعات وقف إطلاق النار، ظهرت مطالبات من بعض الحركات المتحالفة مع الجيش لدعوتها هي الأخري للمشاركة في هذا المؤتمر وأصفةً نفسها بأنها طرفاً في الحرب…!!
●معلوم بالضرورة أن الحرب بالسودان قد اندلعت في يوم 15 أبريل 2023م، بعد أن أطلقت كتائب الإسلاميين شرارتها الأولى، تنفيذاً لتهديدات قياداتهم بمنع التوقيع على “الإتفاق الإطاري” وهجموا قوة الدعم السريع المرتكزة في المدينة الرياضية صبيحة يوم 15 أبريل 2023م، وورطوا الجيش في حربٍ لم يكن مستعداً لها، مستغلين تأثيرهم على بعض القيادات العليا بالجيش.
●أعلنت الحركات المسلحة الموقعة على إتفاقية جوبا 2020م منذ الوهلة الأولى للحرب حيادها وعدم دعمها لأي طرف من الأطراف، وعملت “ظاهرياً” كأجاويد وحراس لقوافل الإغاثة من بورتسودان إلى دارفور رغم أن الغالبية الساحقة من مواطني دارفور لا يعلمون شيئاً عن هذه الإغاثة وحجمها وكيفية توزيعها.
●ظلت الحرب بين الجيش والدعم السريع مستعرة في كثير من المدن السودانية حتى استطاعت قوات الدعم السريع بسط سيطرتها على حاميات: الجنينة/ نيالا/ زالنجي والضعين وحاصرت مدينة الفاشر، وجرت تفاهمات بين الدعم السريع وحركات سلام جوبا؛ بموجبها توقف الدعم السريع عن الهجوم على الفاشر، وعاشت المدينة هدوءًا نسبياً لم يعكر صفوه إلا إعلان بعض الحركات الخروج عن الحياد والتحالف مع الجيش، مما وضع المدينة في دائرة الأزمة والصراع العنيف وقصف الطائرات والمدافع والراجمات، وتم تدمير البنية التحتية والمرافق العامة والخاصة، وقتل الآلاف وشرّد مئات الآلاف ، وخرجت الأمور عن السيطرة، وللأسف نجح العقل الذي ظل يخطط ويدبر لمحرقة دافور بأيدي أبنائها ، وهو الذي قسمهم إلى “عرب وزرقة” وزرع بينهم الأحقاد والقبلية والكراهية؛ وقد عاش أباءهم وأجدادهم ومجتمعاتهم مئات السنوات في سلام وأمن وإستقرار وتسامح ومحبة في كنف “سلطنات دافور” التي منحت كل قبيلة حاكورة معروفة الحدود والمواقع.
●ظلت مدينة الفاشر آمنة وبعيدة عن الصراع العنيف وفق تشابكات وتقاطعات كثيرة لا يسع المجال لذكرها، حتي أعلنت بعض الحركات فجأة إنهاء حيادها عبر بيان نشرته في يوم 16 نوفمبر 2023م ومن ثم اشتعلت الحرب، فبأي منطق تدعي بعض هذه الحركات بأنها طرفاً في الحرب وهي لم تبدأها بل شاركت كنفير من ضمن جموع المستنفرات والمستنفرين؟!.
●إن منبر جدة قد وضع القواعد الأساسية للتفاوض حول وقف الحرب ، وسمي الجيش وقوات الدعم السريع كطرفين أصيلين فيها لا ثالث لهما، وانعقدت المفاوضات بينهما على هذا الأساس، ووجدت إعترافاً وترحيباً محلياً وإقليمياً ودولياً، وأضحي منبر جدة أمراً واقعاً وأساساً موضوعياً لجهود وقف إطلاق النار لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه بإضافة أطراف جديدة.
●إن أي مطالبة من أي جهة جديدة بوصفها طرفاً في الحرب غير الجيش والدعم السريع، يعني محاولة إجهاض مفاوضات جنيف أو أي مفاوضات لاحقة، ووأد منبر جدة الذي اختط ملامح مخاطبة وقف الحرب، مما يفتح الباب واسعاً لفشل الجهود الأمريكية والإقليمية والدولية في هذا الشأن، بل يفتح الباب أمام مطالبات بالتمثيل من جهات لا متناهية من لدن كتائب البراء والمستنفرين أسوةً بهذه الحركات.
● إن الحقيقة المجردة التي لا تقبل المزايدات أن هذه الحركات قد وضعت نفسها في مأزق سياسي وأخلاقي غير مدروس العواقب وتورطت في حرب لا تعنيها من قريب أو بعيد، وكل الإدعاءات التي تطلقها لا تصمد أمام أي منطق عقلاني واعي، فإذا كان الهدف من وراء التخلي عن حيادها والتحالف مع الجيش هو هجوم الدعم السريع على مدينة الفاشر كما يقولون، فلماذا لم يتخلوا عن الحياد ويدخلوا الحرب عندما دارت المعارك في غرب دارفور وسيطر الدعم السريع على حامية الجنينة ومقتل والي غرب دارفور الشهيد خميس أبكر؟! أو عندما سيطر الدعم السريع على نيالا وزالنجي والضعين؟!.
هنالك ثمة أسئلة موضوعية ، هل هذه المطالبة بالمشاركة في مفاوضات جنيف هدفها حجز مقعد مبكر تحسباً لأي تطورات قد يسفر عنها هذا المؤتمر في ظل الضغوط الأمريكية والغربية والإقليمية، ورغبة السواد الأعظم من الشعب السوداني في وقف وإنهاء الحرب، لضمان المحافظة على إمتيازاتهم التي حازوا عليها عبر إتفاقية جوبا حتى يكونوا حضوراً في مشهد ما بعد الحرب؟!.
●يجب أن يدرك الجميع بأن حرب 15 أبريل قد صفّرت العداد وجبت ما قبلها، وما سوف يترتب على إيقافها سينسف كل الإمتيازات والتحالفات والتسويات السابقة التي تم الحصول عليها بوضع اليد في إطار (قسمة المنهوب)، ويجب ألا تكون هنالك أي مجاملات أو ترضيات سياسية على حساب الوطن واستقراره لأي جهة عسكرية أو مدنية ، والإستفادة من دروس وعبر هذه الحرب وسابقاتها، ومخاطبة جذور الأزمة التأريخية بصورة صحيحة وفق منظور جديد يراعي ضرورات الحاضر وآفاق المستقبل ومصلحة الشعب الذي دفع ويدفع أثمان باهظة منذ عام 1955م، وهذا يعني عدم التفكير في العودة إلى “أُس الأزمات” وأسباب الشقاق والتناحر السلطوي على شاكلة الإتفاق الإطاري وشراكة الدم وإتفاقية جوبا وكافة أشكال التسويات الجزئية والثنائية وتزييف إرادة الهوامش.
●إن الشعب السوداني وقواه الحية هم وحدهم من يقومون برسم وتحديد ملامح المستقبل المنشود الذي يحقق أهداف ثورتهم المجيدة ويقود إلى تغيير جذري شامل، يحدث تغييراً حقيقياً في بنية الدولة والحكم ويرسي دعائم التحول المدني الديموقراطي الكامل ، بعيداً عن أونطة جوكية الحروب وأصحاب الحلاقيم الكبيرة وإدمان لعب دور الضحية.
إنتهى الدرس.. نقطة سطر جديد