متابعات دارفور : واشنطن
عقد مجلس الأمن الدولي جلسة صباح اليوم الأربعاء لبحث انعدام الأمن الغذائي في السودان في إطار بند “حماية المدنيين في الصراعات المسلحة”. واستمع المجلس إلى إحاطات من منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وبرنامج الأغذية العالمي.
جاء الاجتماع بطلب من غيانا وسويسرا، جهتي التنسيق المشتركة في مجلس الأمن بشأن الصراع والجوع، وانضمت إليهما سيراليون وسلوفينيا، في أعقاب المذكرة البيضاء بشأن انعدام الأمن الغذائي في السودان التي أرسلها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أعضاء المجلس، بتاريخ 15 آذار/ مارس.
وتم إرسال المذكرة البيضاء وفقا للقرار 2417 لعام 2018، والذي يطلب من الأمين العام أن يقدم تقريرا سريعا عند حدوث “خطر المجاعة الناجمة عن النزاع وانعدام الأمن الغذائي على نطاق واسع”.
وظل السودان يعاني على مدى الأشهر الـ 11 الماضية، من العواقب الإنسانية المدمرة للقتال الذي اندلع في 15 أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع. وقد أفادت التقارير بمقتل أكثر من 14,790 شخصا منذ بداية النزاع، وحتى تاريخ 15 آذار/مارس.
متحدثا عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، قال ماوريتسيو مارتينا نائب مدير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إن حجم الجوع في جميع أنحاء السودان يثير قلقا عميقا، حيث من المرجح أن تنزلق بعض المناطق- لا سيما في غرب ووسط دارفور- إلى حالة كارثية من انعدام الأمن الغذائي مع اقتراب موسم العجاف في أيار/ مايو.
وقال إن الصراع يدفع أزمة الجوع هذه، ويقيد الإنتاج الزراعي، ويدمر البنية التحتية الرئيسية وسبل العيش، ويعرقل التدفقات التجارية، ويسبب زيادات حادة في الأسعار، ويقيد وصول المساعدات الإنسانية، ويؤدي إلى نزوح واسع النطاق. وأوضح أن انتشار القتال وتصاعده يؤثران بشكل مباشر على الأمن الغذائي، خاصة مع وصول الصراع إلى مناطق جديدة، لا سيما في ولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، والتي تعد بمثابة سلة الغذاء الرئيسية في السودان.
وقال ماوريتسيو مارتينا إن اقتصاد السودان يعتمد بشكل كبير على القطاع الزراعي – حيث يعمل ما يقرب من 65 بالمائة من سكانه في الزراعة – مشيرا إلى أن الناس الذين نجحوا في إنتاج الغذاء على الرغم من الصراع فإن احتياطاتهم آخذة في النفاد بسرعة، ومن يعتمدون على الأسواق للحصول على الغذاء يعانون من الارتفاع الحاد في الأسعار، أما من يعتمدون على المساعدات الإنسانية فيصعب الوصول إليهم على نحو متزايد.
وأضاف: “وخلال موسم الحصاد الأخير- الذي يمتد من تشرين الأول/ أكتوبر إلى شباط/فبراير، وهو عادة الوقت الذي يتوفر فيه الغذاء بأكبر قدر ممكن في السودان، من المتوقع أن يواجه ما يقدر بـ 18 مليون شخص أزمة أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وهذا هو أسوأ مستوى للجوع سجله التصنيف المرحلي للأمن الغذائي على الإطلاق خلال موسم الحصاد”.
وأصدرت منظمة الفاو يوم أمس الثلاثاء تقريرها السنوي لتقييم المحاصيل والإمدادات الغذائية في السودان، والذي فحص إنتاج الغذاء في عام 2023 وقيّم الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء ولايات السودان الثماني عشرة.
وقال نائب مدير الفاو إن نتائج التقرير أوضحت الأضرار التي سببها النزاع للإنتاج الزراعي، ومن بينها أن أداء موسم إنتاج الحبوب الرئيسي لعام 2023 كان سيئا للغاية بسبب تأثير الصراع، حيث انخفض بنسبة 46 في المائة عن محصول العام السابق. ووصف ماوريتسيو مارتينا آفاق إنتاج الغذاء في عام 2024 بأنها قاتمة.
واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة
إيديم ووسورنو مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية قالت إن مهزلة إنسانية تجري في السودان تحت غطاء من الإهمال الدولي والتقاعس عن العمل. ومضت قائلة: “ببساطة، نحن نخذل شعب السودان”.
وحذرت من حالة انعدام واسعة النطاق وسريعة التدهور في الأمن الغذائي في السودان. ومضت قائلة: “بكل المقاييس – الحجم الهائل للاحتياجات الإنسانية، وأعداد النازحين الذين يواجهون الجوع – يعد السودان واحدا من أسوأ الكوارث الإنسانية في الذاكرة الحديثة”.
إيديم ووسورنو، مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تقدم إحاطة أمام مجلس الأمن بشأن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
إيديم ووسورنو، مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، تقدم إحاطة أمام مجلس الأمن بشأن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
أدى الصراع بالفعل إلى حدوث أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم: فقد نزح 6.5 مليون شخص داخليا، منذ بداية الأزمة الحالية، إضافة إلى 3 ملايين نزحوا بالفعل قبل بدء الحرب الأخيرة. كما لجأ 1.8 مليون شخص آخر إلى الدول المجاورة.
وفي مثل هذه الحالة، شددت وسورنو على ضرورة أن يكون إيصال المساعدات الإنسانية بمثابة شريان الحياة لملايين الأشخاص الذين فقدوا كل شيء تقريبا بسبب الصراع. وأعربت عن الأسف إزاء العوائق الشديدة التي لا تزال تواجه عملية الوصول إلى الفئات الأضعف، ولا سيما في ولايات الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة.
وذكّرت بالقرار الذي اعتمده مجلس الأمن والذي يدعو إلى وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل ودون عوائق إلى السودان. ولكنها أعربت عن الأسف لعدم إحراز تقدم كبير على أرض الواقع منذ ذلك الحين.
ووصفت المؤتمر رفيع المستوى حول السودان وجيرانه المقرر انعقاده في باريس في 15 نيسان/أبريل بأنه فرصة مهمة لتقديم التزامات ملموسة لدعم عملية المساعدات ومعالجة المعاناة – بما في ذلك من خلال زيادة المساهمات المالية للنداء الإنساني للسودان لعام 2024 والذي تلقى 131 مليون دولار- 5 في المائة- من جملة 2.7 مليار دولار مطلوبة.
فحوى المذكرة البيضاء
وقالت إيديم ووسورنو إن إن المذكرة البيضاء التي قدمها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مؤخرا إلى مجلس الأمن تتضمن توصيات بشأن الخطوات العاجلة لمعالجة أزمة انعدام الأمن الغذائي المتصاعدة. وتشمل هذه:
أولا، ضمان احترام الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني – بما في ذلك حظر استخدام التجويع كوسيلة للحرب وحماية السلع الحيوية والبنية التحتية والخدمات اللازمة للنظم الغذائية والإنتاج،
ثانيا، ضمان التزام الأطراف بحوار إنساني مستدام لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية عبر خطوط الصراع والحدود،
ثالثا، زيادة التمويل للعمليات الإنسانية،
رابعا، الضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار والتوصل إلى حل سلمي للصراع.
أزمة منسية تتطلب حلولا سياسية لوقف القتال ومنع المجاعة
كارل سكاو نائب المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي قال إن نحو 28 مليون شخص، في جميع أنحاء المنطقة، يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، منهم 18 مليونا في السودان، و7 ملايين في جنوب السودان، وحوالي 3 ملايين في تشاد.
وقال سكاو- الذي تحدث عبر الفيديو أمام مجلس الأمن- إن برنامج الأغذية العالمي يعمل على مدار الساعة داخل السودان لتلبية الاحتياجات الإنسانية الهائلة، “حيث يخاطر أفراد فريقنا بحياتهم وسلامتهم لمساعدة الآخرين”، مشيرا إلى أن المنظمة ساعدت ما يقرب من 8 ملايين شخص، خلال العام الماضي.
لكن المسؤول الأممي قال إن عملية الإغاثة الطارئة التي يقوم بها برنامج الأغذية تواجه عوائق شديدة بسبب عدم إمكانية الوصول ونقص الموارد. وفي الوقت الحالي، وفقا للسيد سكاو، فإن 90 بالمائة من الأشخاص يقعون في المرحلة الرابعة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي. المرحلة الرابعة هي مرحلة الطوارئ وتحدث عندما لا يتحصل الشخص على وجبة واحدة في اليوم.
وأفاد بتعذر وصول الوكالات الإنسانية إلى المحاصرين في مناطق مثل الخرطوم والجزيرة وكردفان ودارفور، مشيرا إلى أن الناس هناك يحتاجون بشكل عاجل إلى المساعدات الغذائية المنقذة للحياة. و”تواجه جهودنا للوصول إلى هؤلاء المدنيين تحديات بسبب العنف المستمر وتدخل الأطراف المتحاربة”.
كما أن العوائق البيروقراطية تقلص المساحة المتاحة للعاملين في المجال الإنساني للعمل. ورحب سكاو بالإعلان الأخير الذي أصدرته السلطات في بورتسودان والذي سيسمح لبرنامج الأغذية العالمي باستئناف إيصال المساعدات عبر الحدود من تشاد وفتح ممر جديد من جنوب السودان.
وشدد على ضرورة إعادة فتح المزيد من المعابر الحدودية لإيصال المساعدات إلى منطقة دارفور الكبرى- التي سجلت بعضا من أعلى معدلات الجوع وسوء التغذية، حسبما قال.
لكن كارل سكاو قال إن العمليات عبر الحدود ليست الحل الوحيد، لأنها أكثر تكلفة وتستغرق وقتا طويلا. وفي السودان، أكد الحاجة إلى الوصول عبر خطوط النزاع، كوسيلة أكثر فعالية من حيث التكلفة والكفاءة لتوسيع نطاق عملياتنا.
وأبدى قلقا بالغا إزاء تفشي الجوع، بشكل أكبر في الأسابيع المقبلة، مع حلول موسم الجفاف في السودان في أيار/ مايو، وحذر أنه “بدون الوصول المستدام والموارد اللازمة لتوسيع نطاق استجاباتنا، هناك خطر كبير بأن نشهد المستوى الخامس من التصنيف المرحلي المتكامل أو انعدام الأمن الغذائي الكارثي”. المرحلة الخامسة هي مرحلة المجاعة أو بالقرب منها.
وحذر سكاو من أن تزايد الجوع لن يؤدي إلا إلى زعزعة الاستقرار في أرجاء هذه المنطقة من أفريقيا. ودعا المجتمع الدولي إلى أن يعمل بسرعة على زيادة دعمه لعمليات الإغاثة الطارئة- ماليا وسياسيا، مؤكدا أهمية الجهود الدبلوماسية لتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المعزولين في السودان والمهددين الآن بالمجاعة.
وقال نائب المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي إن “هذه الأزمة المنسية” تتطلب، في الأساس، حلولا سياسية لوقف القتال الذي يمزق البلاد. ودعا مجلس الأمن إلى تعزيز التزاماته بموجب القرار 2417، واتخاذ إجراءات عاجلة لتجنب كارثة جوع في السودان وفي المنطقة الأوسع، وتخفيف المعاناة وإنقاذ حياة المدنيين اليائسين العالقين في “جحيم القتال الجوع.