متابعات دارفور : السودان
أكملت الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع أكثر من 300 يوما مخلفة 13 ألف قتيل و10 ملايين نازح ودمارا هائلا في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة وخسائر اقتصادية قدرت بنحو 120 مليار دولار.
وشهدت الأيام الأربع الأخيرة المزيد من التصعيد خصوصا في أم درمان و الخرطوم بحري شمال العاصمة الخرطوم وفي عدد من مناطق كردفان ودارفور وسط أنباء عن مقتل المئات من المدنيين.
وقالت نقابة أطباء السودان إن “آلة الحرب تواصل حصد أرواح السودانيين وتدمير ممتلكاتهم ومؤسساتهم وحياتهم العامة”، مشيرة إلى أن الوضع الإنساني الكارثي أصبح أكثر تعقيدا”.
وتواجه العديد من الفئات الضعيفة مثل الأطفال وكبار السن والحوامل صعوبة كبيرة في الخروج من مناطق القتال أو الأماكن غير الآمنة مما يعرض حياتهم للخطر.
ووفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونسيف” فإن أكثر من 20 مليون طفل يدفعون ثمنا باهظا للتدهور الأمني في معظم مناطق البلاد.
ونبهت “يونسيف” إلى أن مئات الآلاف من المواليد الجدد يحتاجون إلى رعاية نوعية عند الولادة وهو أمر تتضاءل إمكانية حدوثه بسبب وقوع الملايين في الحصار في مناطق الحرب أو اضطرارهم للنزوح في ظل نقص خطير في الإمدادات الطبية.
خسائر كبيرة
منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل الماضي، تعرضت أكثر من 300 منشأة تاريخية وحيوية في الخرطوم ومدني و دارفور وكردفان لدمار شامل أو جزئي، كما فقد مئات الآلاف من سكان الخرطوم القدرة على العيش في منازلهم إما بسبب ما لحق بها من دمار كلي أو جزئي جعلها عرضة للخطر.
ودمرت الحرب عشرات الآلاف من منازل سكان الخرطوم والمئات من المنشآت المدنية الحيوية والتاريخية بما في ذلك جسورا ومتاحف ومنشآت بنية تحتية ومباني وزارات وبنوكا وجامعات وغيرها.
واعتبر مراقبون أن الدمار الكبير الذي لحق بالخرطوم ومناطق أخرى في البلاد يزيد من الأعباء الاقتصادية والمالية المترتبة على الحرب.
وإضافة إلى القصر الجمهوري الذي يبلغ عمره أكثر من 190 عاما، فقد تعرضت أجزاء كبيرة من مطار الخرطوم الدولي والقيادة العامة للجيش السوداني في وسط العاصمة الخرطوم لدمار هائل أيضا.
وفي حين كانت السرايات القديمة وجامعة الخرطوم والمتاحف ودار الوثائق القومية والبريد وغيرها، تشكل أبرز معالم الخرطوم وتعكس تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام، فقد تعرضت أجزاء كبيرة منها للدمار أيضا بسبب الضربات الجوية والأرضية المتبادلة بين طرفي الصراع.
دمار اقتصادي
تتراوح تقديرات الخبراء للخسائر الاقتصادية الشهرية للحرب ما بين 500 إلى 600 مليون دولار يوميا.
وتشمل تلك التقديرات خسائر المجهود الحربي والدمار الذي يلحق بالبنية التحتية والمنشآت العامة وبيوت وأملاك المواطنين والمصانع و الاسواق.
ووفقا لما وصفها الخبير الأممي ووزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي بالتقديرات الواقعية فإن الحرب جرفت 20 في المئة من الرصيد الرأسمالي للبنية الاقتصادية التحتية المقدر بنحو 550 مليار دولار كما أن الناتج المحلي البالغ 36 مليار دولار سيتراجع 20 في المئة.
وبناء على تلك التقديرات فإن خسائر الرصيد للبنية الاقتصادية وتلك الناجمة عن انكماش الناتج المحلي تصل إلى نحو 120 مليار دولار حتى الآن.
وفي الجانب الآخر يقدر خبراء عسكريون حجم الإنفاق العسكري الشهري للحرب بأكثر من مليار دولار.
واستنادا إلى تقديرات البدوي والخبراء العسكريين، والدمار الشامل الذي أوقف أكثر من 70 في المئة من الإنتاج الصناعي بعد الأضرار الكلية والجزئية التي لحقت بأكثر من 400 مصنع في الخرطوم وحدها وفق بيانات اتحاد أصحاب العمل ووزيرة الصناعة المكلفة فإن الخسائر قد تكون أكبر بكثير.
وأثرت الحرب بشكل كبير كذلك على القطاع الزراعي حيث تقع معظم المشاريع الكبرى والصغرى التي تشكل نحو 80 في المئة من إنتاج البلاد في مناطق إما تشهد قتالا مستمرا أو مرشحة لتصبح ساحة للقتال مما سيؤدي إلى تراجع الإنتاج الزراعي في البلاد بشكل كبير إذا لم يتم الوصول الى حل ينهي الحرب.
وأدت الحرب أيضا إلى تآكل موجودات البنوك السودانية المقدرة بنحو 45 تريليون جنيه بمقدار النصف بعد أن فقدت العملة الوطنية أكثر من 50 في المئة من قيمتها خلال الفترة الأخيرة حيث يجري تداول الدولار الواحد حاليا بنحو 1100 جنيه مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب في منتصف أبريل والتي خرج عن الخدمة بسببها أكثر من 70 في المئة من فروع البنوك العاملة في البلاد والبالغ عددها 39 بنكا حكوميا وتجاريا.
أكبر أزمة نزوح في العالم
تعرضت المدن والقرى لهجمات متكررة، مما أسفر عن دمار هائل وتشريد العديد من السكان الأبرياء. بالإضافة إلى ذلك، شهدت المناطق المتضررة من الحرب نقصاً حاداً في الإمدادات الغذائية والمساعدات الطبية، مما تسبب في تفاقم الأزمة الإنسانية.
إن السودان بحاجة ماسة إلى دعم الدول العالمية والمنظمات الإنسانية لتقديم المساعدة اللازمة للمدنيين الذين يعانون من آثار الحرب. يجب على الحكومة والمتمردين التعاون من أجل تحقيق السلام والاستقرار في البلاد، وضمان حماية حقوق الإنسان وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة.
و أدت الحرب التي اندلعت في أبريل في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى نزوح 7.1 مليون شخص، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة، واصفة إياها بـ”أكبر أزمة نزوح في العالم”.
وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك إن المعارك التي دارت بالجزيرة وسط البلاد أرغمت 300 ألف شخص على الفرار و”هذه العمليات ترفع عدد النازحين إلى 7.1 مليونا”، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى البلدان المجاورة.
ومنذ اندلاع الحرب فر نحو 500 ألف نازح إلى ولاية الجزيرة، أغلبهم من العاصمة الخرطوم التي كانت مركزا للقتال، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
ودمر الصراع في السودان كل مقدرات البلاد وأدى إلى مقتل ما يصل إلى 12 آلاف شخص، وفقا للأمم المتحدة، غير أن النشطاء ومنظمات الأطباء يقولون إن العدد الحقيقي أعلى بكثير.
خطر الانزلاق في حرب أهلية
منذ بداية الحرب، تكررت الانتهاكات على المواطنين، والتعدي على أملاكهم وممتلكاتهم من منازل وعربات وذهب وتلفونات، فقد خلالها المواطنون الطمأنينة والأمان، وفقدوا كرامتهم وتبارى طرفا الصراع في إظهار سيطرتهم من خلال حجم المعاناة التي يتسببوا فيها جراء هجماتهم ومضايقاتهم، تم اعتقال أعداد كبيرة من المدنيين من الجانبين، وازدادت خلالها التصنيفات العنصرية والجهوية في مناطق سيطرة كل طرف، مما ساهم في حشد خطابات الكراهية والعنصرية بين السودانيين.
بعد إعلان “الدعم السريع” سيطرته على ولاية الجزيرة وعاصمتها (ودمدني)، ازداد الرفض الشعبي لتوسيع الصراع إلى مناطق أخرى في البلاد، عقب أعمال النهب والسلب والاعتداءات المنسوبة إلى “الدعم السريع” بولاية الجزيرة، ازدادت الدعوات لتسليح المواطنين في الولايات خارج دائرة الصراع وقد قوبلت حملات التسليح الشعبية بدعم من قيادة الجيش السوداني، المحللون السياسيون حذروا من مخاطر الحرب الأهلية جراء انتشار السلاح بيد المواطنين.
ففي 5 يناير 2024م، قال البرهان إن “الشعب السوداني كله يقف مع الدولة ومع قواته المسلحة ويحمل السلاح للدفاع عن الوطن”، مضيفا: “نحن لن نتوانى في تدريب وتسليح كل قادر على حمل السلاح”، كما أكد أنه “من حق كل مواطن أن يدافع عن نفسه وداره وماله وعرضه لأن المرتزقة استهدفوا المواطنين ونهبوا ممتلكاتهم وهجروهم من منازلهم وحاربوهم بكل وضاعة”.
كان هذا التصريح حافزاً لإطلاق حملة (المقاومة الشعبية) واعتبره محللون بمثابة اعتراف رسمي وإعلان عن ميلاد لمجموعات مسلحة جديدة بإشراف الدولة. تعقد الوضع في السودان ويمكن ان تنزلق البلاد لحرب أهلية واسعة، خصوصاً وأن هذه الحملات صاحبتها تصريحات من بعض ولاة الولايات في الولايات التي يسيطر عليها الجيش السوداني استهدفت مواطنين على أساس مناطقي وعرقي، واستهدفت (لجان المقاومة والتغيير) وقوى سياسية داعمة للثورة التي انطلقت في ديسمبر 2018.
على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه السودان خلال الثلاثمائة يوم التي عاشها تحت رحمة البنادق إلا أنه لا بد من إيجاد حلول سريعة وفعالة لإنهاء هذه الحرب المدمرة وبناء مستقبل أفضل للشعب السوداني.