متابعات دارفور : جمال عبدالقادر
رغم التحضيرات الجارية لعقد لقاء يجمع بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان وقائد قوات “الدعم السريع” محمد حمدان دقلو (حميدتي) في جيبوتي الأسبوع المقبل، تتواصل المواجهات والمعارك والقصف المدفعي والجوي المتبادل بين الجيش السوداني و”الدعم السريع” على جبهات عدة ومحاور القتال المختلفة داخل العاصمة الخرطوم وخارجها، بينما تنتظم في ولايات الوسط والشمال والشرق عمليات تعبئة وتجييش واسعة عبر تكوين جبهات للمقاومة الشعبية المسلحة، وسط مخاوف من انجرار البلاد نحو حافة منعطف الحرب الأهلية.
وشهدت العاصمة السودانية تبادل القصف المدفعي بين الطرفين في محيط القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، حيث شنت قوات “العم السريع” هجوماً مدفعياً من مواقعها في وسط وجنوب وشرق الخرطوم، رد عليها الجيش بقصف مماثل على مصادر النيران في جنوب الحزام والمدينة الرياضية شرق الخرطوم.
وأفاد شهود بوقوع اشتباكات برية ومعارك وكر وفر داخل شوارع أحياء مدينة أم درمان القديمة، وعلى أطراف محلية أم بدة جنوب غربي أم درمان.
غارات جوية
وفي ولايتي الجزيرة وسنار وسط البلاد، شنت مقاتلات الجيش الحربية غارات استهدفت تجمعات ومتحركات “الدعم السريع” في كل من أطراف مدينة سنار، وفي داخل عدد من أحياء مدينة ود مدني بولاية الجزيرة. وأفاد بيان لتجمع أبناء سنار، بتعزيز الجيش انتشاره داخل المدينة مع سماع دوي قصف مدفعي متقطع وتواصل موجة نزوح المواطنين باتجاه ولايات القضارف الشمالية ونهر النيل والبحر الأحمر، وأن الميليشيات ما زالت تستبيح عدداً من القرى المنطقة بالنهب والسرقة والترويع.
وذكر سكان محليون أنهم شاهدوا تعزيزات لـ”الدعم السريع” حول منطقة مصنع سكر سنار والقرى المحيطة به جنوب مدينة، فيما يواصل الطيران الحربي للجيش طلعاته وغاراته على مناطق ود الحداد الرابطة بين ولايتي الجزيرة وسنار.
تدشين المقاومة المسلحة
في الأثناء، تتصاعد حملات التعبئة والتسليح بالتوازي مع حملات اعتقالات بواسطة الاستخبارات العسكرية للجيش، تستهدف مناهضي الحرب في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش في وسط وشرق وشمال البلاد. وانتشرت الدعوات لتكوين “جبهات المقاومة الشعبية المسلحة”، وتدشين إعلان “المقاومة الشاملة” في ولايات النيل الأبيض، والجزيرة (وسط)، ونهر النيل، والشمالية (شمال)، والبحر الأحمر، والقضارف، وكسلا (شرق)، تزامناً مع ذكرى استقلال البلاد، يوم غد الإثنين.
وفي أول بيان لها أعلنت “المقاومة الشعبية المسلحة” بولاية الجزيرة، أن “الدفاع عن الأرض والعرض بات واجباً مقدساً وفرض عين على كل قادر على حمل السلاح لاسترداد الولاية”.
ووصف البيان، “ميلاد المقاومة الشعبية المسلحة” بأنه “بمثابة تحذير لبقايا الميليشيات المغتصبة بمغادرة أرض الجزيرة فوراً وإلا ستصبح مقبرة لهم”.
واعتبرت المقاومة المسلحة بالجزيرة، أن “ممارسات وانتهاكات الميليشيات المتمردة ضد إنسان الولاية تمثل تعدياً سافراً على الأعراض والممتلكات بقصد الإذلال والإهانة، مستخدمة أسلحتها الثقيلة والخفيفة في مواجهة المواطنين العزل”. وأضاف البيان، “لن ينكسر مواطن الجزيرة في وجه آلة الميليشيات العسكرية ومرتزقتها المدججين بجميع أنواع الأسلحة في عدوانهم على قرى وأرياف الجزيرة وارتكاب سلسلة من جرائم القتل والخطف والإخفاء القسري والنهب وسلب أموال الناس”.
نذر الحرب الأهلية
في المقابل، حذر حزب الأمة القومي، من أن “حملات التسليح والحشد من قبل فلول النظام البائد تستهدف تمديد عمر الحرب وتوسيع رقعتها وتحويلها لحرب أهلية”، مندداً “بصفة خاصة بخطاب والي ولاية نهر النيل المكلف، الداعي إلى طرد المواطنين الرافضين للحرب والسياسيين من قوى الحرية والتغيير وقوى الثورة من الولاية، كاستهداف صريح من مشعلي الحرب لتصفية ثورة ديسمبر المجيدة”.
ودان بيان صدر عن حزب الأمة “الاعتقالات التعسفية التي تقوم بها الاستخبارات العسكرية وكتائب النظام البائد في كل من سنار وسنجة والدندر ونهر النيل والشمالية وولايات الشرق”. وطالب البيان بإطلاق سراح المعتقلين كافة، محذراً من “استمرار تقييد حياة المواطنين والاستهداف الممنهج على أساس عرقي وجهوي”.
وحذر الحزب من “تنامي خطاب الكراهية الذي يأجج الصراع ويزيد من حدة الاستقطاب السياسي ويدعو إلى الفتنة ويهدد السلم الاجتماعي”، مناشداً “أبناء الشعب السوداني بعدم الانجرار وراء دعوات التسليح لدعم استمرار الحرب ومحاربة خطابات الكراهية والعنصرية”.
دعوات ومناشدات
ودعا حزب الأمة، “القوى المدنية والإدارات الأهلية والطرق الصوفية والقوى الثورية إلى الوقوف صفاً واحداً لحماية النسيج الوطني ونبذ التطرف والضغط لوقف الحرب ومنع تمددها”، مندداً “بالانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في مدن وقرى ولايتي الجزيرة وسنار، وكذلك بالمجزرة التي ارتكبها طيران الجيش في حق المدنيين بمدينة نيالا قبل يومين”.
وناشد حزب الأمة، كافة المنظمات الدولية والحقوقية بإدانة كل الانتهاكات التي تستهدف المدنيين من الطرفين والضغط عليهما بكل الآليات لإيقاف الحرب فوراً.
رحب الحزب، باللقاء المرتقب بين قائد القوات المسلحة وقائد قوات “الدعم السريع” في مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل، الذي أقرته قمة “إيغاد” الأخيرة. وجدد مناشدته طرفي الحرب التحلي بالمسؤولية الوطنية والإقبال على هذا اللقاء بالجدية اللازمة والنوايا الصادقة للوصول لوقف دائم لإطلاق النار والالتزام بالتعهدات السابقة لإعادة لاستقرار إلى البلاد.
إدانات متوالية
من جانبها دانت هيئة محامي دارفور، القصف الجوي الذي أسقط عشرات القتلى والجرحى من النساء والأطفال في مدينة نيالا وكذلك القصف المتبادل بين الجيش و”الدعم السريع” بالخرطوم بحري وأم درمان، مطالبة طرفي الحرب العبثية بالوقف الفوري للقتال.
وناشد بيان للهيئة، القوى المدنية مواصلة حملاتها المطالبة لوقف الحرب والملاحقة الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية.
بدورها دانت رابطة الأطباء الاشتراكيين، “حملة اعتقالات التي تقوم بها استخبارات الجيش العسكرية ضد المتطوعين والعاملين في مجال العون الإنساني، مما يطرح استفهامات حول مدى الالتزام بحمايتهم وفتح الممرات الآمنة لعبور المساعدات وإجلاء وعبور المدنيين العالقين في مناطق الاقتتال”.
وطالبت الرابطة، الجيش بالإفراج الفوري عن المتطوعين الإنسانيين وعدم سلوك ذات نهج ميليشيات “الدعم السريع” التي ظلت تستهدف المرافق الصحية والكوادر الطبية والمدنيين بولاية الجزيرة.
فتيل الاشتعال
في السياق، اعتبر أستاذ العلوم السياسية، المرضي عبدالمجيد، “التحشيد والتسليح القبلي والجهوي تحت مظلة ما يسمى المقاومة الشعبية المسلحة المترافقة مع تفشي خطاب الكراهية بشكل واسع هذه الأيام هو الوصفة المثلى لإشعال فتيل الحرب الأهلية التي بدأت بسعي بعض الجهات إلى خلق فتنة بين المكونات المجتمعية”.
ولفت عبدالمجيد إلى أن “التجييش والعسكرة وتوسع عمليات التسليح الشعبي من شأنه أن يطيل أمد الحرب ويحولها إلى صراع إثني يضع البلاد على مدرج الفوضى، خصوصاً في ظل ضعف وانهيار مؤسسات الدولة المركزية”.
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن “عمليات التحشيد الجارية تستثمر في مخاوف الناس وشعورهم بعدم الأمان بعد ما شهدته مناطق وولايات عدة من عمليات سلب ونهب واسعة، عززت قناعات المواطنين بأهمية الدفاع عن أنفسهم، إلا أنه من شأنها أيضاً أن تعرقل أي حلول تفاوضية مستقبلاً”.
الاجتماع الحاسم
على الجانب السياسي، أعلنت جمهورية جيبوتي، أمس السبت، المضي قدماً في تمهيد الطريق للحوار السوداني وأنها ستستضيف، الأسبوع المقبل، اجتماعاً حاسماً، في هذا الخصوص.
وأكد وزير خارجية جيبوتي، محمد علي يوسف، في تغريدة مقتضبة، على حسابه بمنصة “إكس”، أن جيبوتي بصفتها رئيسة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) ستقوم بتمهيد الطريق للحوار السوداني وتستضيف اجتماعاً حاسماً، من دون الخوض في تفاصيل أكثر.
وكانت “إيغاد” أعلنت، الأربعاء الماضي، عن تأجيل اللقاء بين البرهان ودقلو، في بيان لوزارة خارجية جيبوتي سلمته لكل الأطراف مرجعة التأجيل لأسباب فنية.
ورجحت مصادر إقليمية أن الاجتماع الحاسم المشار إليه الذي سيجمع الجنرالين، الأسبوع المقبل، في مدينة جيبوتي سيكون بمشاركة قادة دول منظمة “إيغاد” وبحضور دولي وإقليمي وأممي.
صرخة عاجلة
إنسانياً، دعت منظمة الصحة العالمية، أمس السبت، إلى تحرك عاجل لمعالجة الأزمات الصحية والإنسانية الكبيرة في السودان، نتيجة الوضع المزري الذي وصلت إليه البلاد بسبب الحرب. وطالبت المجتمع الدولي بزيادة المساعدات المالية لتلبية الحاجات الصحية العاجلة للسكان المتضررين.
ودعا المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم، على منصة “إكس” إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تصعيد النزاع في السودان، حيث تتفاقم الأزمات الإنسانية والصحية مع نزوح مئات آلاف الأشخاص، معظمهم من النساء والأطفال.
من جانبها علقت منظمة “أطباء بلا حدود” بالسودان، جميع أنشطتها الطبية في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، وأجلت موظفيها بعد تعرض مجمع تابع لها في المدينة لهجوم، مشيرة إلى أن التدهور الأمني خلال الأسابيع الأخيرة دفعها إلى تعليق جميع أنشطتها الطبية وإجلاء موظفيها إلى مناطق أكثر أماناً في السودان والدول المجاورة.
وأعربت المنظمة في بيان، عن قلقها حيال سكان ود مدني الذين لديهم فرص محدودة للغاية في الحصول على الرعاية الصحية والأدوية الأساسية، لافتة إلى أن عديداً من الأشخاص في ود مدني يعانون حالة نزوح شاقة للمرة الثانية بحثاً عن الأمان، بعد لجوئهم السابق إلى المدينة بسبب استمرار العنف في البلاد.