بعد الإتهامات الكثيرة..إحتمالات التصعيد بين الامارات و السودان

متابعات دارفور: السودان

قال عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا، إن “الإمارات ترسل إمدادات إلى قوات الدعم السريع، عبر مطار أم جرس التشادي”، في أول اتهام علني للدولة الخليجية بالتورط في الحرب بين الجيش النظامي والقوات شبه العسكرية.

وسبق أن ألمح قادة في الجيش إلى تدخل دول مجاورة، دون ذكرها بالاسم، في الحرب المستمرة منذ سبعة أشهر والتي أدت إلى نزوح ما يربو على ستة ملايين شخص وموجات من عمليات القتل لأسباب عرقية في دارفور.

وقال الفريق أول ركن ياسر العطا في كلمة أمام أعضاء جهاز المخابرات العامة في أم درمان، وفقا لمقطع مصور تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، “المعلومات بترد لينا من المخابرات والمخابرات العسكرية ومن الخارجية الدبلوماسية بأنو دولة الإمارات بتودي طائرات دعما لهؤلاء الجنجويد”.

تأتي تصريحات العطا وسط أنباء عن تقدم أحرزه الميسرون في منبر جدة بالمملكة العربية السعودية في الاجتماعات التي تنعقد منذ أسبوعين بين لجنة وقف إطلاق النار ووفد الجيش والدعم السريع.

ويعتقد الباحث السياسي محمد كمال، أن تصريحات العطا جاءت من “الشخص الخطأ” لأن المسؤول الذي يطلق مثل هذه التصريحات يتعين عليه أن يقف على “شعبية صلبة“.

ويرى كمال، أن تصريحات العطا جاءت قبل أيام من زيارة مرتقبة لقائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى أبوظبي للمشاركة في مؤتمر عن المناخ، مناقشة وضع السودان بين الجنرال السوداني وقادة الإمارات على هامش القمة.

وأضاف كمال: “علينا أن نضع في الاعتبار الأنباء التي تتردد عن وُجود نائب القائد العام للجيش الفريق ركن شمس الدين الكباشي في الإمارات لبحث الأزمة مع قادة الإمارات“.

ويوضح كمال، أن تصريحات ياسر العطا جاءت صادمة، وتفتقر للدبلوماسية تماما حتى في إطلاق الاتهامات لأن وصف الإمارات بـ”المافيا” كما صرح العطا سيضعه في موقف محرج، وقد يذهب نحو الاستقالة إذا نجح تيار التسوية في منبر جدة داخل الجيش.

وقبل شهرين نشرت صحف غربية إرسال الإمارات شحنات أسلحة إلى قوات الدعم السريع عبر مطار أم جرس، وذلك عقب زيارة محمد بن إدريس ديبي الرئيس التشادي إلى أبوظبي في يونيو الماضي وحصوله على قرض إماراتي بلغ 1.5 مليار دولار.

وأقامت الإمارات مخيما طبيا قرب قاعدة عسكرية في مطار أم جرس حسب ما قالت المعارضة التشادية قبل شهرين، ورجحت أن الجنود والضباط المصابين من قوات الدعم السريع يخضعون للعلاج في هذا المخيم الذي شيدته الإمارات على نفقتها الخاصة.

إتهامات مباشرة

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ظلت الإمارات موضع اتهام بالتورط في الحرب بدعم قوات الدعم السريع، لكن ظل الاتهام محل ألسن أنصار الجيش، دون أن يخرج بصورة رسمية. وفي مرة من المرات، تحدث بيان للجيش عن تدمير دبابة إماراتية تابعة للدعم أثناء المعارك، ما اعتبر مؤشراً على بدء الإفصاح عن الاتهام علناً، فيما صمتت أبوظبي عن الردّ على تلك الاتهامات غير الرسمية، واكتفت بدعوتها لوقف القتال، والعودة إلى طاولة الحلول السلمية، وترك الأمر للسودانيين.

وتسربت أنباء عن زيارة سرية لأبوظبي، قام بها المساعد الأول لقائد الجيش عضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين الكباشي في الأسابيع الماضية، في محاولة منه لتخفيف التوتر الصامت بين البلدين، فيما تحدثت مصادر أخرى عن قرب زيارة لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان للإمارات، لتقطع تصريحات الفريق ياسر العطا أمس، الطريق أمام أي مساع لترميم العلاقات أو تحييد الإمارات في الحرب الدائرة الآن، وبدء التصعيد بين الخرطوم وأبوظبي.

وفي السياق، يقول العميد المتقاعد بهلول بابكر كودي لـ”العربي الجديد”، إن تلك الاتهامات التي صدرت للمرة الأولى من جانب الحكومة السودانية، تأخرت كثيراً، وكان يمكن أن تصدر وتكشف الحقيقة للشعب السوداني قبل سبعة أشهر، لأن الدعم الإماراتي للدعم السريع واضح وموثق بالأدلة والبراهين منذ اندلاع الحرب، مؤكداً أن اتهامات الفريق العطا لم تكن في لحظة انفعال لحظي، بل مرتب لها، كما هو واضح، ومتفق عليها بين قيادات الدولة، على عكس ما يروج له البعض حول أن الحديث يتنافى مع خطط قيادة الدولة، بالأخص رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، الحريص كما يزعمون على عدم التصعيد مع أبوظبي، على الأقل في الوقت الحالي.

وتوقع كودي أن تمضي الاتهامات السودانية للإمارات بخطوة أوسع، من خلال تقديم شكاوى رسمية للمنظمات الدولية والإقليمية، بما فيها مجلس الأمن الدولي، والقيام بعمل دبلوماسي أكبر لفضح المخططات الإماراتية، وقد يصل الأمر، بحسب تقديره، لسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مبيناً أن هناك فرصة كبيرة أمام الإمارات لتصحيح مواقفها، وتغيير سلوكها، واتخاذ مواقف إيجابية تجاه السودان ككلّ، وتجاه الحرب بين الجيش السوداني والمليشيا المتمردة، إن كانت فعلاً حريصة على العلاقة مع الخرطوم.

لكن مستشار قوات الدعم السريع اللواء المتقاعد صلاح الدين عيساوي، يقول إن تصريحات الفريق ياسر العطا، واتهامه لدولة الإمارات العربية بدعم قوات الدعم السريع غير موفقة، وسوف تخلق هوة بين دولة الامارات العربية والحركة الإسلامية السودانية التي حكمت البلاد في العقود الماضية، معتبراً أن هذه التصريحات ربما تجعل الإمارات تفكر بجدية لتقديم العون لقوات الدعم السريع، وترفده بعتاد عسكري كردّ فعل على تلك الاتهامات.

وأوضح عيساوي، أن مثل هذه التصريحات لا تصبّ حتى في مصلحة الإسلاميين، وسوف تكلف الجنرال البرهان رحلة بين طيات السحاب خصماً من أموال الدولة للذهاب إلى الإمارات، والاعتذار لحكومة وشعب الإمارات عمّا بدر من سلوك هذا الرجل، بمثل الرحلة التي ذهب فيها البرهان إلى كينيا، عقب تصريحات مماثلة للعطا ضدها وضد رئيسها وليام روتو، وهو ما قد يتكرر مرة أخرى.

من جهته، رأى الصحافي أسامة عبد الماجد، أن قيادة الجيش قررت على ما يبدو خوض معركة طعن الفيل بدلاً عن الظل، وأسندت المهمة للعطا، والذي لم يطلق اتهامات فقط، بل قدّم براهين ومعلومات قدمتها 3 جهات، هي جهاز المخابرات، والاستخبارات العسكرية، ووزارة الخارجية، تقول إن دولة الإمارات نقلت عبر الطائرات دعماً عسكرياً للدعم السريع عبر مطار عنتيبي في أوغندا وأفريقيا الوسطى.

وأوضح عبد الماجد أن اتهام العطا للإمارات كان عنيفاً ولم يكن عابراً أو زلة لسان، بل طاول رئيسها محمد بن زايد، مشيراً إلى أنه ولوقت قريب، كانت القيادة السودانية توجه الاتهامات لداعمي المليشيا دون ذكرهم، لكن القيادة أزاحت الغطاء عن الداعمين، مما يعني أنها ضاقت ذرعاً باستمرار الدعم، وتحصلت على معلومات موثقة، مبيناً أن التحذير برد الصاع صاعين بمثابة تطور خطير، ولا يمكن أن يكون صدر من العطا دون إجماع من البرهان وأركان حربه، وربما تمت الخطوة بتنسيق مع دول حليفة بالمنطقة، وفق قوله.

وأكد أن تصريحات العطا ستجلب المزيد من الدعم الشعبي للجيش، وذلك أن جماعات سياسية وقوى شعبية ومدنية طالبت بطرد السفير الإماراتي من البلاد، وظلت توجه انتقادات حادة للإمارات، وتتهمها بالتآمر على السودان وتوفير الدعم العسكري للمليشيا.

ولا يتوقع عبد الماجد ردة فعل مباشرة من الإمارات، التي لم تعتد على ذلك، رغم أن الاتهام كان عنيفاً، وهول المفاجأة لن يجعل ردها عنيفاً، وقد تكتفي بنفي الاتهامات.

أما أستاذ العلوم في عدد من الجامعات السودانية البروفسور صلاح الدومة، فيرى أن اتهام الإمارات بواسطة الفريق ياسر العطا، يعكس أولاً الخلافات العميقة داخل معسكر الجيش، تحديداً بين البرهان والكباشي من جهة، والفريق ياسر عطا من جهة أخرى، حيث يسعى البرهان والكباشي إلى الوصول لاتفاق سلام ينهي الحرب، ويجتهد العطا، ومن خلفه رموز النظام البائد، لزيادة التصعيد واستمرار الحرب.

وأضاف الدومة ، أن العطا أراد بتصريحاته تلك، تقديم نفسه للإسلاميين الممسكين بالقرار في الدولة منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ليكون بديلاً للبرهان والكباشي، خاصة وأنه رجل لا تحكمه المبادئ، متوقعاً صدور توضيحات من الجيش أو من مجلس السيادة تحمل اعتذاراً للإمارات عما بدر من العطا، أو حتى توضيح من العطا يقدم فيه تفسيرات أخرى لتصريحاته.

خطاب المخابرات

ويقول مصدر من تنسيقية القوى المدنية إن “تصريحات ياسر العطا لن تنسف الجهود التي أحرزت تقدما في منبر جدة”. ويضيف: إن “زيارة الكباشي إلى الإمارات جاءت بعد طلب البرهان لدى زيارته إثيوبيا من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتسليم طلب إلى الإمارات بالتوقف عن إرسال المساعدات العسكرية إلى قوات الدعم السريع“.

وأضاف هذا المصدر: “أبلغ آبي أحمد البرهان أنه قد يساعده على التنسيق مع أبوظبي لاستقبال مبعوث سوداني؛ ولذلك تم إرسال الكباشي لنقاش هذه الأزمة مع قادة الإمارات“.

واعتبر المصدر تصريحات العطا بمثابة خطاب المخابرات حيث يتصدر ضباط ينتمون إلى الحركة الإسلامية مناهضة التسوية بين الجيش والدعم السريع لذلك فإن هذا الخطاب ربما يكون فاصلا بين الجيش والعناصر الإسلامية التي تشعل الحرب.

تقارب مع الإسلاميين

بالمقابل يرجح المحلل السياسي، مصعب عبد الله، احتمالات أخرى لتصريحات ياسر العطا التي خرجت بالاتهامات إلى الإمارات من الغرف المغلقة إلى العلن، فهو يرى أن العطا أصبح مقربا من الإسلاميين الذين يقودون الكتائب التي تقاتل في الحرب ضد الدعم السريع، وربما هناك صفقة بين الطرفين لامست طموحات هذا الجنرال الذي عمل في الحرب الأهلية في جنوب السودان، ويريد أن يختم حياته بمنصب سياسي رفيع خاصة مع تآكل شعبية البرهان وعدم رغبة الإسلاميين في استمراره قائدا للجيش.

وأردف عبد الله: “هذه الاحتمالات ستضعف أيضا إذا لم يصدر الجيش أو مجلس السيادة يتبرأ فيه من تصريحات العطا، لكن إذا لم يحدث ذلك فإن زيارة البرهان إلى أبوظبي ربما تُلْغَى“.

ويقول عبد الله، إن تصريحات ياسر العطا جاءت لنسف جهود السلام في منبر جدة وتصعيد للموقف الميداني لفرض خيارات الجيش على طاولة المفاوضات أو استمرار الحرب خاصة وأن العسكريين عقدوا تفاهمات مع روسيا على “بتر أيادي فاغنر” في السودان، والكف عن مساعدة الدعم السريع.

وأردف: “موسكو وافقت على ذلك، واستقبل سفيرها الجديد الأسبوع الماضي في بورتسودان لذلك الجيش ربما يشعر أنه قد يكون في موقف قوة، وينتصر عسكريا على الدعم السريع دون اللجوء إلى التفاوض ما يرجح أن تصريحات العطا جاءت بموافقة من الجيش”.

رسائل خارجية

اتهام عضو مجلس السيادة السوداني، ياسر العطا إلى الإمارات، جاء بعد يومين من زيارة البرهان إلى كينيا وجيبوتي، حيث بحث مع الرئيس الكيني، وليام روتو ومع السكرتير التنفيذي لمنظمة ايقاد، ورقني قبيهو، في اجتماعين منفصلين، “سبل إيقاف الحرب وعودة الحياة طبيعتها في السودان”، بحسب إعلام مجلس السيادة السوداني.

من جانبه اعتبر عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع إبراهيم مخيّر، أن “اتهام العطا إلى الإمارات، ابتزاز للمجتمع الدولي وأنه محاولة للتشويش على الإرادة الدولية والجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان”.

وتابع قائلا: “هذه التصريحات تكشف عن ارتباك وفوضى في مركز قيادة القوات المسلحة السودانية، والجميع يعلم أن الإمارات دعمت السودانيين وتوسطت لردم الهوة بين السودانيين قبل وبعد اندلاع الحرب”.

وتقود السعودية والولايات المتحدة جهودا لإنهاء الحرب في السودان، من خلال جولات تفاوضية بين وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة، حيث اتفق الطرفان المتحاربان على “تسهيل وصول المساعدات الإنسانية”، بحسب بيان مشترك للسعودية والولايات المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في السابع من نوفمبر الماضي.

ووفق البيان، فقد اتفق الطرفان على “إنشاء آلية تواصل بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع”، ضمن مساعي تعزيز إجراءات الثقة، في خطوة وصفها مراقبون بأنها اختراق منظور في مسار إنهاء الحرب عبر التفاوض.

تقارير غربية تؤكد دعم الإمارات لحميدتي

في أغسطس/ آب الماضي، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في تقرير لها، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم دعمًا عسكريًّا لقوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني.

وقالت الصحيفة إن طائرة شحن إماراتية هبطت في مطار أوغندي بداية يونيو/ حزيران الماضي تأكد أنها كانت تحمل أسلحة وذخيرة، في الوقت الذي كانت تُظهر فيه وثائق رسمية أن الطائرة تحمل مساعدات إنسانية إماراتية إلى اللاجئين السودانيين.

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين أوغنديين قولهم إن الطائرة الإماراتية سُمح لها بعد ذلك بمواصلة رحلتها إلى مطار أم جرس شرق تشاد، وأكّدوا أنهم تلقّوا بعد ذلك أوامر من رؤسائهم بالتوقُّف عن تفتيش الرحلات القادمة من الإمارات العربية المتحدة، وجرى تحذيرهم من التقاط أي صورة لتلك الطائرات.

في سبتمبر/ أيلول الماضي، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن دولة الإمارات تدير عملية سرية معقّدة لدعم قوات الدعم ‏السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو الملقب بـ”حميدتي”، في حربها ضد قوات الجيش السوداني.‏

وتابعت الصحيفة أن الطيران الإماراتي الذي يهبط في السودان بشكل شبه يومي، بذريعة تنفيذ عمليات إغاثة للاجئين، ‏ينقل الأسلحة، ويعمل على علاج مصابي قوات الدعم، ونقل الإصابات الخطيرة منهم إلى مستشفيات الإمارات.‏

ولفتت الصحيفة عن مصادر خاصة لم تسمّها، أن العمليات تجري يوميًّا في مطار ومستشفى في بلدة نائية على الحدود ‏مع تشاد، وأكدت أن مقاتلي الدعم السريع استخدموا في الأسابيع الأخيرة صواريخ من نوع “كورنيت”، زودتهم بها ‏الإمارات لمهاجمة فيلق مدرّع للجيش السوداني في العاصمة الخرطوم.‏

من جهتها، دعت مجلة ذا ناشيونال انترست في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الإمارات إلى قطع علاقاتها ودعمها للميليشيات السودانية، وقائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”.

ووفقًا لتحليل المجلة، فإن تورُّط الإمارات في الصراع بات واضحًا للعيان، مشيرة إلى أنه وبينما كان الدبلوماسيون يغادرون السودان، تحدث مراسلون محليون عن غياب السفير الإماراتي حمد الجنيبي في الخرطوم عندما اندلعت الحرب.

وأعقبت ذلك، بحسب تحليل المجلة، عودته المفاجئة إلى بورتسودان عن طريق البحر في الأيام الأولى للصراع، في وقت تم فيه إغلاق المجال الجوي في عموم البلاد عقب اندلاع أعمال العنف.

ويقول التحليل إن العلاقة بين الإمارات وقوات الدعم السريع “موثقة جيدًا”، وقد تم نشر قوة سودانية تتألف في المقام الأول من مقاتلي قوات الدعم السريع في اليمن للقتال كجزء من التحالف السعودي الإماراتي لاستعادة حكومة عبد ربه منصور هادي التي أُطيح بها.

الامارات تنفي

و في اغسطس الماضي أكدت الإمارات أنها لا تنحاز إلى أي طرف في الصراع الحالي بالسودان، وتسعى إلى إنهاء هذا الصراع، في الوقت الذي تدعو فيه إلى احترام سيادة السودان، مؤكدة في الوقت نفسه أنها لم تزود أي طرف من الأطراف المتنازعة في السودان بالسلاح والذخيرة منذ اندلاع الصراع في أبريل (نيسان) الماضي.

وأكدت عفراء الهاملي، مديرة الاتصالات الاستراتيجية بوزارة الخارجية الإماراتية في رد على تقرير بإحدى وسائل الإعلام حول مزاعم تزويد الإمارات الأطراف المتحاربة في السودان بالأسلحة والذخيرة دحض بلادها القاطع للمزاعم والادعاءات الواردة في التقرير.

وشددت في بيان نُشر على موقع وزارة الخارجية الإماراتية على أنه منذ بداية الصراع دعت الإمارات إلى وقف التصعيد، ووقف إطلاق النار، وبدء الحوار الدبلوماسي عبر حوارات ثنائية ومتعددة الأطراف إلى جانب شركائها.

وأضافت أن دولة الإمارات تدعم باستمرار العملية السياسية والجهود المبذولة لتحقيق التوافق الوطني تجاه تشكيل الحكومة، كما ستواصل دعم جميع الجهود الهادفة إلى تحقيق الأمن في السودان وتعزيز استقراره وازدهاره إلى أن يتم ضمان وقف إطلاق النار.

وأكدت الهاملي أن الإمارات تواصل رصد الأوضاع الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوداني وانعكاساتها على دول الجوار، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تقديم جميع أشكال الدعم لتخفيف المعاناة الإنسانية، حيث عملت على تشغيل جسر جوي وبحري يوفر ما يقرب من 2000 طن من المواد الطبية والغذائية والإغاثية للفئات الأكثر ضعفاً، بمن في ذلك المرضى والأطفال وكبار السن والنساء.

وأوضحت أن الإمارات أنشأت مستشفى ميدانياً في مدينة أمجراس التشادية في يوليو (تموز) لمن يحتاجون إلى رعاية طبية، بغض النظر عن الجنسية، أو العمر، أو الجنس أو الانتماء السياسي. وقد عالج المستشفى بنجاح 4147 حالة.

وأشارت الهاملي إلى أن الإمارات افتتحت مؤخراً مكتب تنسيق للمساعدات الخارجية الإماراتية في مدينة أمجراس التشادية.

قاعدة أبو عمامة البحرية.. رسالة في بريد الإمارات

في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، افتتح اللواء ركن بحري محجوب بشرى رحمة، قائد القوات البحرية السودانية، قاعدة ابو عمامة البحرية العسكرية على ساحل البحر الأحمر، بالقرب من منطقة جرى تخصيصها سابقًا لاستثمارات إماراتية تضم مشروع ميناء أبو عمامة ومنطقة أبو عمامة الاقتصادية. 

اعتبر مراقبون ومحللون حينها افتتاح القاعدة بأنه يشكّل تجميدًا للمشروع الذي سبق الاتفاق عليه مع الإمارات في ديسمبر/ كانون الأول 2022، وقد تعقّد الإبقاء عليه وتنفيذه في ظل الدعم العسكري والسياسي والإعلامي الإماراتي لقوات الدعم السريع. 

صفقة تطوير وتشغيل ميناء أبو عمامة كانت تشمل حزمة استثمارية بقيمة 6 مليارات دولار، تتضمن منطقة اقتصادية ومطارًا ومنطقة زراعية بمساحة 400 ألف فدان، مع ترتيبات لإنشاء طريق بطول 450 كيلومترًا لربط الميناء بمنطقة أبو حمد الزراعية في ولاية نهر النيل.

افتتاح قاعدة أبو عمامة البحرية التي تعدّ بمثابة إنهاء ضمني للمشروع الاستثماري الإماراتي الضخم، دلَّ على بداية التحرك الفعلي للجيش السوداني ضد الإمارات، نتيجة لموقفها الداعم بشدة لقوات حميدتي.

لذلك من الصعب القول إن اتهامات الفريق ياسر العطا كانت في لحظة انفعال لحظي، بل من الأرجح أنها تمثل موقف الجيش السوداني، بدليل تكرار نشرها على الصفحات الرسمية للقوات المسلحة السودانية في مواقع التواصل الاجتماعي عدة مرات.

حتى وقت قريب، كانت قيادة الجيش السوداني توجّه الاتهامات لداعمي الميليشيا بشكل ضمني فقط دون ذكرهم، لكن كشف الغطاء عن أسمائهم لا يمكن أن يكون صدر من الجنرال العطا دون تنسيق مع قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، خاصة أن الأول أشار إلى المعلومات التي قدمتها 3 جهات، هي جهاز المخابرات العامة والاستخبارات العسكرية ووزارة الخارجية، كلها تقول إن دولة الإمارات نقلت عبر الطائرات أسلحة متقدمة للدعم السريع عبر مطارات في أوغندا وأفريقيا الوسطى وتشاد.

نشاط عسكري إماراتي متزايد في أفريقيا

ويشير التقارير إلى أنّ الإمارات، كونها لاعباً نشطاً بصورة متزايدة في القارة الأفريقية، وقعت صفقات تجارية قيمتها عشرات المليارات من الدولارات لتطوير مناجم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والحصول على أرصدة الكربون في ليبيريا، والسيطرة على الموانئ في تنزانيا والصومال والسودان.    

وتضيف أن الإمارات قامت، في شرقي ليبيا، بتسليح خليفة حفتر، في انتهاك لحظر الأسلحة الدولي. وفي إثيوبيا، زوّدت رئيس الوزراء أبي أحمد بطائرات مسلحة من دون طيار في لحظة حاسمة من صراع تيغراي في عام 2021، الأمر الذي أدى فعلياً إلى قلب دفة الحرب.

وفي السودان، تشارك الإمارات رسمياً في محادثات السلام، كونها عضواً في الرباعية، وهو تجمع دبلوماسي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا والمملكة العربية السعودية، وتحاول التوسط من أجل إنهاء الصراع عن طريق التفاوض، لكن الأسلحة الإماراتية، في الوقت نفسه، تعمل  على تأجيج الصراع.

وأكّد مسؤولون أميركيون وسودانيون أنّ مقاتلي حميدتي استخدموا، في الأسابيع الأخيرة، صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، والتي زودتهم بها الإمارات، في مهاجمة قاعدة مدرعة محصنة في العاصمة السودانية الخرطوم.

تداخل في المصالح.. تناقض في السياسات

وأثارت العملية السرية في السودان، حفيظة المسؤولين الأميركيين، الذين “يشعرون بالإحباط بالفعل بسبب علاقات الإمارات المتنامية يروسيا والصين”.

وأنّ “حاكم الإمارات محمد بن زايد يستضيف 5000 جندي أميركي في دولته النفطية الغنية، لكن جهوده في السودان تضعه في صف الراعية الأجنبية الأخرى للجنرال السوداني حميدتي، وهي فاغنر الروسية”.

 وكان تقرير غير منشور، أعده محققو الأمم المتحدة، وتمّ تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي في وقت سابق، وحصلت عليه الصحيفة، أوضح تفاصيل بشأن حصول حميدتي على صواريخ أرض جو من قواعد في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة، في نيسان/أبريل وأيار/مايو الماضيين.

وزعم مسؤول في الأمم المتحدة أنّ فاغنر الروسي هي التي قدمت الصواريخ، بينما قال مسؤولان سودانيان إنّ هذه الصواريخ استُخدمت لإسقاط عدة طائرات مقاتلة سودانية، لكن قوات الدعم السريع نفت مؤخراً “أي ارتباط بجماعة فاغنر”.

بالنسبة إلى المنتقدين السودانيين، يمثّل التدخل الإماراتي “ازدواجية بشعة”، بحيث يُظهر دولةً تتحدث عن السلام علناً، بينما تؤجج الحرب سراً، وتدّعي أنها تساعد اللاجئين السودانيين بينما تدعم أحد طرفي النزاع.

المعارك بالسودان أدت إلى مقتل الآلاف

وتزامن هجوم العطا على الإمارات مع وقفة احتجاجية في مدينة بورتسودان، التي تتخذها السلطات السودانية مقراً بديلاً لإدارة شؤون البلاد، حيث رفع المحتجون لافتات تطالب بطرد السفير الإماراتي من السودان.

الخبير في إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء السابق بالجيش السوداني، أمين إسماعيل، استعبد أن تصل علاقات السودان والإمارات إلى مرحلة القطيعة الدبلوماسية، أو سحب، أو طرد السفراء.

لكنه أشار إلى أن تصريحات العطا ستنعكس على مشاركة البرهان في قمة المناخ بالإمارات، وربما تقطع الطريق – والحديث لإسماعيل – على أي فرصة لتقارب أو محادثات جانبية بين البرهان والقيادة الإماراتية خلال فعاليات القمة”.

وبدوره، شدد المحلل السياسي الإماراتي ضرار الفلاسي، على أن الإمارات مستمرة في تقديم الدعم للسودانيين المتضررين من الحرب، وأنها عازمة على إنجاح قمة المناخ المنعقدة في دبي”.

وكان تحالف يضم شركة موانئ أبو ظبي وشركة إنفيكتوس للاستثمار، وقع في ديسمبر الماضي، اتفاقا مبدئيا مع السلطات السودانية، لإدارة وتشغيل ميناء أبو عمامة، والمنطقة الاقتصادية على البحر الأحمر، باستثمارات قيمتها 6 مليارات دولار.

ومن المخطط أن يضم المشروع، الذي يقع على بعد حوالي 200 كيلومتر شمالي مدينة بورتسودان الساحلية، منطقة اقتصادية ومطارا ومنطقة زراعية على مساحة 400 ألف فدان.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد