متابعات دارفور: الفاشر
اتجهت الأنظار هذه الأيام الى مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور باعتبارها آخر مدن الاقليم الرئيسية التي تحاول قوات الدعم السريع السيطرة عليها في حربها ضد الجيش السوداني.
و حذر مراقبون من كارثة أمنية وإنسانية جديدة في إقليم دارفور بغرب السودان المأزوم منذ العام 2003؛ وذلك في ظل تزايد حدة التحشيد والتحشيد المضاد حول عاصمة شمال الإقليم “الفاشر” المحاصرة منذ أكثر من ثلاث أسابيع والتي تعتبر آخر أهم مدن الإقليم التي لم تسقط في يد قوات الدعم السريع التي تتقاتل مع الجيش منذ منتصف أبريل.
وتزايدت المخاوف من تفاقم الأوضاع الأمنية؛ وسط حالة من التشظي الكبير في أوساط الحركات المسلحة وتمدد قوات الدعم السريع التي تسيطر على نحو 80 في المئة من مناطق الإقليم.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية سيطرت قوات الدعم السريع على عدد من المدن الاستراتيجية في الإقليم، الذي تبلغ مساحته 493 الف كيلومتر مربع، ويقطنه 6 ملايين نسمة؛ ويربط حدود دارفور بكل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى و تزامنا مع تقدم قوات الدعم السريع نحو مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور برزت خارطة تحالفات واصطفافات جديدة في أوساط الحركات المسلحة التي تشظت إلى نحو 87 حركة خلال السنوات الماضية.
وإضافة إلى تشظي الحركات المسلحة؛ يثير انتشار أكثر من مليوني قطعة سلاح في أيدي السكان مخاوف كبيرة، ويلقي ظلالا قاتمة حول مستقبل الإقليم و منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل التزمت الكثير من الحركات الدارفورية الصمت، واتخذ بعضها موقف الحياد؛ لكن الفترة الأخيرة شهدت تطورا لافتا عزز مخاوف المزيد من التشظي.
ففي حين أعلن جبريل و مني زعيما حركتي العدل و المساواة و تحرير السودان ” في مؤتمر صحفي عقداه في بورتسودان بشرق البلاد الاصطفاف مع الجيش؛ قالت فصائل مسلحة تتبع لهما وتعمل داخل الإقليم ضمن القوى المشتركة التي تشكلت عقب توقيع اتفاق السلام السوداني في أكتوبر 2020؛ إنها ستنسق عملياتها الأمنية مع قوات الدعم السريع.
وفيما عقد جبريل ومناوي مؤتمرهما الصحفي تحت راية تحمل اسم الحركات الدارفورية الموقعة على اتفاق السلام”، رفضت 3 من تلك الحركات يقودها عضوا مجلس السيادة المقالان الهادي إدريس والطاهر حجر ووزير الثروة الحيوانية المقال أيضا حافظ إبراهيم عبد النبي؛ ما حاء في المؤتمر؛ وقالت إنه لا يمثل موقف الحركات الموقعة على اتفاق السلام.
وأوضح قادة الحركات الثلاث “لم نكن حضوراً في المؤتمر ولم نفوض أى أحد المشاركة أو الحديث باسمنا، ونحن غير معنيين بما اتخذ فيه من مواقف” وأضافوا في بيان صدر الجمعة أن ما أعلنه المشاركون في المؤتمر من انحياز لأحد طرفي الصراع يخالف الموقف المتفق علية منذ بدء الحرب والمتمثل في الحياد والداعي لوقف الحرب بالطرق السلمية التفاوضية، واستعادة التحول المدني.
واتهمت الحركات الثلاث عناصر نظام الاخوان الذي تمت الإطاحة به في أبريل 2019 بالعمل على جر إقليم دارفور لحرب أهلية جديدة؛ ودعت طرفي القتال للانخراط في مفاوضات منبر جدة؛ وطالبت قيادات الإدارة الأهلية ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية العمل على “درء الفتنة القبلية وفضح أطرافها”.
ومع تزايد حدة الاصطفافات، تتركز المخاوف حول احتمال انفجار الأوضاع للدرجة التي تؤدي إلى المزيد من التدهور في الأوضاع الإنسانية ووفقا للكاتب الصحفي عبد الله إسحق، فإن ما يحدث حول الفاشر هو نذر لتصعيد خطير؛ يتطلب التعامل معه بحكمة تفاديا لانفجار قد يصعب التعامل معه؛ مشيرا في هذا الصدد إلى جهود يبذلها بعض الحكماء في الإقليم.
وقال اسحق لموقع سكاي نيوز عربية إن من الأفضل ألا تدخل أطراف أخرى في الصراع الحالي بين الجيش وقوات الدعم السريع و أوضح “دخول أطراف أخرى سيؤجج نار هذه الحرب الخاسرة التي اعترف الجميع بأنها حرب ليست فيها منتصر وأن المهزوم فيها هو الوطن وإنسان دارفور الذي ظل يعاني من حرب استمرت لأكثر من عقدين من الزمان”.
واعتبر اسحق أن مكمن الخطر هو حالة التشظي التي تعيشها الحركات الدارفورية المسلحة التي رأى انها “غير متوائمة وغير متفاهمة حتى في داخلها”.
يشار إلى أن إقليم دارفور يشهد حربا هي الأطول في القارة الافريقية واستمرت منذ العام 2003 وأدت إلى مقتل 300 الف شخص وتشريد الملايين.
وتتدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية بشكل خطير في معظم مناطق الإقليم وسط تقارير تشير إلى ارتفاع عدد القتلى خلال الأشهر السبع الماضية إلى أكثر من 5 آلاف قتيل بينهم عدد كببر من الأطفال والنساء، مما أدى إلى نزوح نحو مليون شخص إلى دولة تشاد المجاورة وعدد من المناطق الداخلية في الإقليم.
لكن الخطوة سبقها الكثير من اللغط بسبب اعلان الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا لسلام السوداني تبنيها الدفاع عن المدينة سواء ان كان ذلك في صفوف الجيش السوداني كما أعلنت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم وحركة تحرير السودان التي يقودها حاكم اقليم دارفور مني اركو مناوي، او حمايةً لمصالحها بالاقليم باعتبار ان المدينة تعد المركز الرئيسي للمؤسسات التي أتت بها الاتفاقية.
ويقول مساعد رئيس حركة تحرير السودان وحاكم اقليم دارفور الجنرال يحي ادريس النور ان مدينة الفاشر تعد المدينة الرئيسية التي تتواجد فيها أطراف العملية السلمية والمؤسسات التي أتت بها اتفاقية سلام “جوبا” مما جعلها محل اهتمام لحركات الكفاح المسلح، اضافة الى رمزيتها كعاصمة للاقليم.
وذكر ان الحركات منذ توقيعها اتفاقية السلام بدأت في الانتشار في الاقليم وفقاً للاتفاقية وشكلت قوة لحماية المدنيين وانشأت رئاستها في مدينة الفاشر، واتخذت موقف الحياد في الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع، ومن ثم شرعت في الانتشار في بقية ولايات دارفور، فوصلت مدينة نيالا قبيل سقوطها في يد الدعم السريع بأيام، وأضاف: كنا نخطط لأن تنتشر قواتنا في زالنجي والجنينة وغيرها من انحاء دارفور، لكن خطوة الدعم السريع بالاستيلاء على مدن دارفور كانت مفاجئة بالنسبة لنا، وهي خطوة غير سليمة على حد تعبيره. وتابع “ما في حاجة بتخلي الدعم السريع ينقل الحرب من الخرطوم الى دارفور”
وفي رده على سؤال حول وجود أي تواصل مع قوات الدعم السريع حول الوضع في الفاشر نفى مساعد رئيس حركة مناوي اي تواصل مع الدعم السريع، واضاف: ما في اي حوار او تواصل بيننا، واذا هم مصرين على دخول الفاشر فليحاولوا.
وتباينت المواقف السياسية والعسكرية لحركات الكفاح المسلح فيما يتعلق بقضية الحرب في السودان، ففي الوقت الذي اعلن فيه صراحة قادة حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي انضمامهم للقتال في صفوف الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، آثر قائدا حركتي “تجمع تحرير السودان الطاهر حجر والمجلس الانتقالي الهادي ادريس” البقاء في موقف الحياد المعلن سابقاً، لكن مستشار حركة تحرير السودان يحي النور قال ان القوة التي تحتشد الآن في مدينة الفاشر للدفاع عن مدينة الفاشر تأتمر بأمر القوة المشتركة التي تضم الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا وهي “حركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي، حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، وتحرير السودان المجلس الانتقالي التي يقودها الهادي ادريس، اضافة الى قوة قليلة من التحالف السوداني التي يقودها الجنرال “احمد قرنوف”
وتعد مدينة الفاشر من المدن الاستراتيجية حيث تربط حدودها مع دولتي ليبيا وتشاد والمدن الغربية لإقليم دارفور، اضافة الى ان مدينة الفاشر تأوي في الوقت الراهن آلاف النازحين الذين فروا إليها من مدن دارفور الأخرى بسبب الحرب التي شهدتها البلاد مؤخراً حسب ما اشار الصحفي بمدينة الفاشر مالك دهب.
وأشار دهب – الى ان قوات الدعم السريع عينها علي مدينة الفاشر وفي ذات الوقت حركات الكفاح المسلح تعتبر المدينة آخر ورقة موجودة في يدها، لذا من الصعب أن تسمح للدعم السريع باجتياح المدينة، وأضاف: الحركات المسلحة فرطت- من قبل- في نيالا والجنينة وعدد من مدن دارفور ولا يمكنها أن تفرط في مدينة الفاشر.
ويرى دهب أن الدعم السريع والحركات المسلحة لا يريدان أن تكون بينهما معركة لأنها ستكون نهاية لأحدهم- على حد قوله- لكنه أشار الى أن هنالك أطراف “الجيش ومن يؤيده” تريد أن يشتعل الصراع بين الحركات والدعم السريع بأي طريقة.
وألمح الى ان الحركات المسلحة أصبحت الآن بين أمرين باعتبار ان الفاشر تعد الورقة الأخيرة لها إذا فقدتها ستتلاشى وإذا دافعت عنها كذلك تكون خسرت أهالي الولايات الأخري التي نكبت بالاقليم، واتفق مع دهب أحد مصادر دبنقا- فضل حجب اسمه- عندما قال ان الحركات تنظر لمدينة الفاشر على انها المأوى الوحيد الذي تتواجد فيه باعتبارها حركات موقعة على اتفاقية ىسلام، وفي حال سيطر عليها الدعم السريع فذلك يعني انها لا وجود لها على الأرض.
وذكر المصدر ان محاولة اجتياح قوات الدعم السريع لمدينة الفاشر من شأنها ان تشعل فتنة بين القبائل العربية المساندة لقوات الدعم السريع وقبيلة الزغاوة التي تتكون منها اغلب عناصر الحركات المسلحة اضافة الى ان غالبية رؤوس الاموال لأبناء قبيلة الزغاوة تم نقلها من “ام درمان” وبقية مدن السودان الى مدينة الفاشر، وكشف عن اتصالات اجرتها قيادات من قبيلة الزغاوة مع الرئيس التشادي محمد ادريس ديبي وطلبت منه التدخل لاقناع قوات الدعم السريع بعدم الدخول الى مدينة الفاشر.
واتهم مساعد رئيس حركة تحرير السوداني قوات الدعم السريع بمحاولة جر الحركات الى الحرب منذ أن دخلت مناطق كتم وكبكابية واموري التي تتواجد فيها قوات الحركات لكنها آثرت الحكمة لتفويت الفرصة عليها، وفي السياق قال رئيس الحركة “مني اركو مناوي” في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ان قوات الدعم السريع قتلت احد قادة الحركة الرائد “بابكرموسى” وهو يؤدي واجبه في حماية المدنيين شرقي مدينة الفاشر.
في المقابل ان قوات الدعم السريع غضت الطرف عن مدينة الفاشر وانها لن تغامر بالدخول في مواجهات مع الحركات في سبيل رغبتها في السيطرة على كامل اقليم دارفور، وقالت مصادر مقربة من قوات الدعم السريع ان قيادة القوات قررت تجاوز مدينة الفاشر، والآن بدأت تجميع قواتها شرقي ولاية شمال دارفور حيث حشدت أكثر من 620 سيارة مسلحة استعداداً للتحرك نحو مدينة الأبيض للسيطرة.