متابعات دارفور: جوبا
أثار ترحيل السلطات السودانية عدداً من مواطني جنوب السودان، بينهم أكثر من مائة امرأة تم فصلُهن عن أطفالهن، موجةَ استنكار واسعة في الأوساط الرسمية والشعبية بجنوب السودان، حيث اعتُبر الإجراء انتهاكاً خطيراً للعلاقات بين البلدين ومساساً بالروابط الإنسانية التي تجمع شعبيهما.
ووفق روايات عدد من النساء المرحَّلات، داهمت قوة أمنية سودانية منازلهن وأجبرتهن على الصعود في سيارات بحجة “استكمال إجراءات استخراج البطاقات”، قبل أن يتم نقلهن قسراً إلى داخل الأراضي الجنوب سودانية دون السماح لهن باصطحاب أطفالهن. كما ذكرت أخريات أنهن اعتُقلن أثناء عودتهن من الأسواق ولم يُسمح لهن بالعودة إلى منازلهن.
ورغم الضجة التي أثارتها القضية، لم يصدر عن السلطات السودانية أي تعليق رسمي حتى الآن.
تحرّك دبلوماسي في جوبا
في المقابل، أعلنت وزارة خارجية جنوب السودان أن الوزير موندي سيمايا ك. كومبا استقبل السفير السوداني لدى جوبا عصام محمد كرار، وأجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره السوداني محيي الدين سالم، تناول أوضاع الجنوبيين في السودان والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وأوضحت الوزارة أن المباحثات تطرّقت إلى نتائج الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الجنوب سوداني إلى بورتسودان، التي شهدت اتفاقاً على معالجة قضايا الهجرة ورعاية مواطني البلدين، إلا أن الترحيل الأخير مثّل انتكاسة لهذه التفاهمات.
الرحلة الخامسة: ترحيل قاسٍ بلا إجراءات إنسانية
وقال الصحفي الجنوب سوداني أتيم سايمون إن هذه العملية، التي وصفها بـ“الرحلة الخامسة”، كانت الأشد قسوة، إذ جرى خلالها فصل الأمهات عن أطفالهن في المناطق الحدودية دون أي ترتيبات رسمية أو إنسانية. وأضاف أن “السلطات السودانية ما تزال تتعامل بعقلية قديمة تعتبر جنوب السودان تابعاً لها، متجاهلةً استقلاله وسيادته”.
تناقض في المواقف وغياب التنسيق
وأشار سايمون إلى أن هذه التطورات جاءت بعد أيام فقط من زيارة وزير خارجية جنوب السودان إلى بورتسودان، والتي انتهت ببيان مشترك أكّد على تعزيز العلاقات وحماية المواطنين في البلدين، لكنه وصف البيان بأنه “شكلي” وغير متكافئ مع حجم العلاقات التاريخية بين الجانبين.
وانتقد صمت السفارة السودانية في جوبا وعدم صدور توضيح رسمي، مضيفاً أن الاكتفاء بمكالمة هاتفية بين وزيري الخارجية لا يرقى إلى مستوى الأزمة، وكان الأجدر استدعاء السفير السوداني وتقديم احتجاج رسمي واضح.
منظور اقتصادي يطغى على العلاقات
ورأى سايمون أن الخرطوم ما تزال تنظر إلى جوبا من زاوية اقتصادية ضيقة تتركز على أنبوب النفط الذي يمر عبر السودان، متجاهلةً الأبعاد الإنسانية والسياسية للعلاقة بين الشعبين، ما يجعل الروابط الثنائية رهينة للمصالح الآنية بدلاً من الاحترام المتبادل.
دعوات لمراجعة العلاقة مع الخرطوم
ودعا سايمون حكومة جنوب السودان إلى البحث عن بدائل لخط أنابيب النفط لتقليل الاعتماد على السودان، وإعادة صياغة العلاقة بما يضمن سيادة واستقلال القرار الجنوب سوداني.
كما حذّر من أن استمرار هذه الممارسات قد يدفع بعض الأطراف في جوبا إلى المطالبة بإجراءات دبلوماسية أكثر حدة، وهو ما قد ينعكس سلباً على أوضاع آلاف السودانيين المقيمين في جنوب السودان.
وختم حديثه قائلاً:
“لقد حان الوقت لتعامل متوازن بين الخرطوم وجوبا يقوم على الندية والاحترام المتبادل، لا على منطق الوصاية والمصالح القديمة.”