المجتمع المدني من المستفيد(5)

متابعات دارفور: أ.محمد حسن دولي

كنا نعتقد ان اخلاق البشرية تتدرج بين السموء والتدني تبعاً لعوامل التقدم والرقي والاذهار المعرفي، غير أن هذا الظن سرعان ما تلاشى حين أسقطناه على واقع المجتمع المدني السوداني، فقد ظل هذا القطاع لعقود طويلة خاضع لهيمنة فاعلين محليين يتوارثون النفوذ جيل بعد جيل ، حتى انعكس من خلالهم إحدى أبرز أزمات المثقف والناشط السوداني، الذي ما زال يعاني من أوهام البدائية ومظاهر التخلف في أبهى صورها.

لك ان تتخيل ايهاء القارئ، سلوك بعض الفاعليين الذين لا يُلقون بالًا لمعاناة الشعب السوداني جراء الحرب الدائرة الآن. تلك الحرب التي تعود جذورها التاريخية الى الظلم من مدخل الانانية وحب الذات، حيث احتكرت مجموعة محدودة حكم السودان لاكثر من قرن ،واقصت سائر الشعوب السودانية الاخرى،في دولة يعدّ من أكثر الدول تنوعًا، إثنيًا وثقافيًا في إفريقياً،حيث ُقدَّر عدد المجموعات العرقية أو الإثنية في السودان بين خمسين وأكثر من خمسمائة وسبعون مجموعة حسب التصنيفات الأنثروبولوجية، بينما تُقدر المجوعات اللغوية بين سبعين ومائة مجموعة لغوية رئيسية، تتحدث أكثر من مائة لغة ولهجة محلية.

وقد أدى هذا التهميش الكبير إلى إبعاد أغلب هذه المجموعات مقابل مجموعات محدودة ظلّت تتناوب على الحكم، حتى زُج بالبلاد في اتون حروب مدمرة، التهمت الاخضر واليابس وافقرت شعوبها وورثت الاجيال الكراهية ورفض التعايش وضاعت بسببها موارد السودان وثرواته. 

ان ما انتهجه بعض الفاعليين في المجتمع المدني السوداني،هو ما يثير الأسى فقد كرروا بوعي أو بغير وعي هذه الممارسات نفسها ، فجعلوا من مؤسسات المجتمع المدني عناوين للقبيلة والجهوية، بينما اتخذ آخرون من العمل المدني وسيلة للارتزاق الشخصي.

فتجد أحدهم يعمل في عدة مؤسسات مدفوعة الأجر، وينخرط في تحالفات مختلفة، متخفّيًا خلف شعارات النضال والتغيير، حتى أصبح أشبه بـ الجوكر في لعبة الكتشينة، يبدّل موقعه بحسب ما تقتضيه المصلحة، ضاربًا بقيم التطوع والعمل الإنساني عرض الحائط ، وفي المقابل، يقاسي آخرون الحرمان داخل المؤسسة نفسها، حتى صار الحصول على مقعد في ورشة تدريبية أو مشروع ممول سبيلًا للابتزاز.

أن هؤلاء، في الحقيقة، لايؤمنون بالتغيير،وليست لديهم ادنى ذرة من المسؤلية الاخلاقية تجاه مجتمعاتهم المحلية التي ترزح تحت نيران الجوع والخوف والقتل ، هم العقبة الحقيقة امام التحول في السودان، فكيف لمن يقصي ويبتز حتى الفتيات ويتستر خلف القبيلة، ان يكون رائد من رواد الغيير؟، لذا فان نداء التغيير في الفضاء المدني يبدأ من داخل مؤسسسات المجتمع المدني نفسها، وان يسبقه تحررحقيقي من قبضة الموروث الاجتماعي والقبلي الذي كبّلها وحول دورها من خدمة المجتمع الى خدمة الذات.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد