ليبيا تدخل على خط الأزمة : هل ستكون لاعبا مؤثرا في الشأن السوداني؟

متابعات دارفور : ليبيا

على وقع الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، ومع تراجع فرص الحل السلمي، وصعود خيار المواجهة، وصل رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، إلى العاصمة الليبية طرابلس، في زيارة يرى خبراء أنها تأخرت كثيرا، لأهميتها، بينما قلل آخرون من النتائج المترتبة عليها.

وتزامنت زيارة البرهان إلى طرابلس، الاثنين، مع تمدد الجيش  في عدد من المحاور القتالية بين الطرفين، وخاصة في مدينة أم درمان، التي يفصلها نهر النيل عن الخرطوم.

ومن المتوقع أن يزور قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” طرابلس خلال الأيام المقبلة، عقب تلقيه اتصالا من رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبد الحميد الدبيبة، على نحو ما أعلن في منشور على منصة (إكس).
  
ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عثمان نورين، أن “زيارة البرهان تأخرت كثيراً، لأن ليبيا دولة مؤثرة في الشأن السوداني، سواء على مستوى اللاجئين، أو على مستوى الحدود، أو التفاعلات العسكرية”.

وقال نورين إن “ليبيا تضم مجموعات من المرتزقة السودانيين الذين شاركوا في القتال مع القائد العسكري خليفة حفتر، وتحولوا إلى المشاركة في القتال إلى جانب الدعم السريع بعد اندلاع الحرب في الخرطوم”.

وأضاف “في الجانب العسكري يمكن أن يكون هناك تنسيقا بين البرهان وحكومة طرابلس، للتضييق على هذه المجموعات، التي أثرت بشكل مباشر على العمليات العسكرية، وساعدت الدعم السريع في الاستيلاء على عدد من المدن والوحدات العسكرية”.

لكن في المقابل، يرى المحلل السياسي الليبي، أشرف الشح، أن “حكومة طرابلس لا تملك التأثير المباشر على المجموعات السودانية المسلحة، الموجودة على الأراضي الليبية، لأنها تتخذ من جنوب وشرق ليبيا مقرات لها، مما يعني أنها بعيدة عن نفوذ حكومة طرابلس”.

وقال الشح، إن “البرهان يتهم حفتر بدعم “حميدتي”، ولذلك لجأ لفتح علاقات مع حكومة طرابلس، للضغط في إطار وقف هذا الدعم، ورفع الشرعية عن ما يقوم به “حميدتي”. لكن لا اعتقد أن الزيارة يمكن أن تؤثر في هذا الجانب”. 

وفي أبريل الماضي، أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن حفتر أرسل طائرة واحدة على الأقل لنقل الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع، وهو ما نفته قوات القائد العسكري في شرق ليبيا.

ويتهم البرهان نائبه السابق “حميدتي” بالاستعانة بمقاتلين ومرتزقة من عدد من دول الجوار السوداني، بما في ذلك ليبيا.

وفي نوفمبر 2020 كشف تقرير لمجلس الأمن الدولي أن مجموعات من الحركات المسلحة والمرتزقة السودانيين، يبلغ عددهم 2000 مسلح، انضموا للمشاركة في القتال إلى جانب حفتر.

شواغل داخلية

وعقب اتصال هاتفي مع الدبيبة، أعلن “حميدتي” نيته زيارة طرابلس، دون أن يحدد موعدا للزيارة، وكشف عن مبادرة يقودها رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا لحل الأزمة السودانية، فهل تملك طرابلس الأدوات المطلوبة للتوسط بين الفرقاء السودانيين؟

يقول نورين، إنه “ليس من الضرورة أن تكون مبادرة حكومة طرابلس قائمة بذاتها، ويمكن أن تكون داعمة للإطار الإقليمي الذي يهدف إلى تسوية الأزمة في السودان”.

وأضاف “بناء على هذه المعطيات، يمكن أن تكون ليبيا لاعبا مؤثرا في الشأن السوداني، بحكم الجوار وبحكم التأثير العسكري للمرتزقة الموجودين في أراضيها”.

ولفت المحلل السياسي السوداني، إلى ان “هناك تحركات في أكثر من دولة لإنهاء الحرب السودانية، مثل البحرين وأوغندا ورواندا، وكلها تهدف لدعم منبر المفاوضات بين الجيش والدعم السريع في جدة الذي تقوده السعودية والولايات المتحدة”.

ووصل نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، إلى رواندا، السبت، وذلك عقب زيارة قام بها إلى أوغندا، وأعلن بعدها عن خطة جديدة لإنهاء الحرب في السودان، مؤكدا أنهم “يرحبون بأي مبادرة تحترم سيادة السودان”.

وقلل الشح، من “قدرة حكومة طرابلس على التأثير في الشأن السوداني”، أو تقديم مبادرة يمكن أن تقود “حميدتي” والبرهان لطاولة المفاوضات، “لعدم امتلاكها الأدوات المطلوبة للضغط على الطرفين”.

وأضاف “هناك تنافس بين الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الليلي محمد المنفي، ولذلك يحاول الدبيبة أن يظهر كلاعب مؤثر في الشأن الإقليمي، خاصة بعد تراجعه شعبيته ووضعه الداخلي”.

ولفت المحلل السياسي الليبي، إلى أن “زيارة البرهان إلى ليبيا جاءت بعد تواصله مع المجلس الرئاسي الليبي، بينما زيارة “حميدتي” ستتم على أساس الاتصال الذي جرى بينه والدبيبة”.

وتابع قائلا “هذه المبادرة تضع في يد الدبيبة أوراقا للتواصل مع الأطراف المتضادة في الشأن السوداني، إذ تمكنه من تكثيف التواصل مع الإمارات التي تدعم “حميدتي”، وكذلك تمكنه من التواصل مع مصر التي تدعم البرهان، ومعلوم أن القاهرة ليست على وفاق مع الدبيبة، وتسعى لإزاحته”، وفق قوله.

وأجرى البرهان، الاثنين، مباحثات مشتركة مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي، المنفي، ومع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، الدبيبة، تناولت القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتطورات الحرب في السودان، بحسب وكالة “سونا” السودانية الرسمية.

أزمة اللاجئين

مثل غيرها من دول جوار السودان، استقلبت ليبيا، الآلاف من اللاجئين السودانين، الفارين من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وإلى أواخر يناير الماضي، بلغ عدد اللاجئين الذين وصلوا إلى ليبيا التي تتشارك في حدود برية مع السودان، نحو 31 ألفا، باتوا يمثلون أكثر جنسية لاجئة في البلاد، وفقا لسجلات مفوضية اللاجئين.

ويرى رئيس منظمة الحد من الهجرات غير الشرعية، مالك الديجاوي، وهي منظمة طوعية سودانية تنشط لإعانة السودانيين في ليبيا، أن “أعداد اللاجئين السودانيين في ليبيا أكبر من التي تعلنها الجهات الدولية أو حتى الليبية”.

وقال الديجاوي في حديثه ، إن “السلطات الليبية تتحدث عن 400 ألف لاجئ سوداني، لكن تقديراتنا وفقا لتعاملنا الميداني مع اللاجئين، تشير إلى أن عددهم أكثر من 500 ألف لاجئ”.

وأشار إلى أن “اللاجئين السودانيين يصلون ليبيا عبر محوري تشاد ومصر، إذ تكتظ المدن الليبية في هذه المحورين باللاجئين السودانيين، مما يزيد خطر لجوئهم إلى أوروبا عبر التهريب والطرق غير الرسمية”. 

وبحسب مفوضية اللاجئين، تمثل ليبيا، إلى جانب جارتها تونس، نقطة الانطلاق الرئيسية لآلاف المهاجرين الأفارقة الطامحين في الوصول إلى الجانب الآخر من البحر المتوسط.

وعلى مدار الأشهر الماضية، يعلن خفر السواحل الليبي والإدارة العامة لأمن السواحل، بشكل دوري عن إحباط العشرات من عمليات الهجرة نحو الجانب الأوروبي. 

وتكشف آخر أرقام مفوضية شؤون اللاجئين والسلطات الليبية، أن عددا كبيرا من هؤلاء المهاجرين وصلوا من السودان، ففي آخر المعطيات الصادرة التي تخص شهر يناير الماضي، مثلا، كان من بين 429 شخصا حاولوا الوصول إلى السواحل الإيطالية، 70 سودانيا.

ويشير المحلل السياسي الليبي، إلى أن “زيارة البرهان إلى ليبيا، لن تترتب عليها تأثيرات مباشرة في قضية اللاجئين، لأن أغلبهم في مناطق جنوب وشرق ليبيا”.

وأضاف “لا اعتقد أن الزيارة مفيدة في هذا الجانب، أو حتى في جوانب عسكرية أخرى، لأن حكومة طرابلس ليست لها القدرة على إعطاء البرهان مكاسب على الأرض، أو مكاسب يحتاجها للتغلب على الدعم السريع”.

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع البرهان، قال المنفي، إن اللاجئين السودانيين الذين هربوا من الحرب، ستتم معاملتهم مثل الليبيين في جميع المجالات، وبخاصة التعليم والصحة.

وبدوره، شدد البرهان، “على أهمية التعاون من أجل إعادة الإستقرار والبناء الوطني في السودان وليبيا، دون تدخلات خارجية سلبية أو معيقة”، بحسب وكالة أنباء “سونا” السودانية الرسمية.

ووفق أرقام الأمم المتحدة، أجبر أكثر من 7 ملايين سوداني على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى دول الجوار، وتحديدا نحو تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا، وهي دول تعاني بالفعل من مشكلات اجتماعية واقتصادية، وتستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين والنازحين.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد