المجتمع المدني من المستفيد:غرف طوارئ السودان نموذج أول (6)

متابعات دارفور: أ. محمد حسن دولي

علينا أن نرى أخطاءنا بالقدر نفسه الذي نرى به أفعال أعدائنا والآخرين، لأن النقد الموضوعي هو المدخل الحقيقي للإصلاح. فالمبدأ الأساس في أي عمل مدني أو إنساني، يجب أن يكون السعي للشفافية والمراجعة الذاتية، لا التبرير أو التغافل.

ومن باب الحقيقة والرغبة في التطوير، ومن أجل بلوغ المجد الإنساني، علينا مواجهة الأخطاء التي صاحبت تجاربنا في العمل التطوعي والإنساني، وتقديم ما يمكن من حلول علّها تكون بابًا يصل عبره المحتاجون والمنكوبون إلى حقوقهم المشروعة.

وعند النظر في تجارب الفاعلين السودانيين في هذا القطاع، يمكن أن نأخذ (غرف طوارئ السودان) نموذجًا حديثًا، خصوصًا في ظل الحرب الدائرة الآن. فهذه التجربة – رغم ما فيها من حيوية ونشاط إنساني – تظل تجربة غير مبتكرة، إذ جاءت امتدادًا لتجارب إنسانية سابقة في العالم، من أبرزها تجربة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء).

تأسست الخوذ البيضاء عام 2013 في مناطق المعارضة السورية على يد متطوعين محليين، وبدعم من منظمات دولية غير حكومية، بهدف إنقاذ الأرواح وتقديم المساعدات العاجلة للمدنيين المنكوبين جراء الحرب.

وقد رُشّحت المنظمة لنيل جائزة نوبل للسلام عامي 2016 و2017، ونالت فعليًا جائزة رايت ليفليهود المعروفة بـ (نوبل البديلة) في عام 2016، كما تم تكريمها في عام 2017 من متحف الهولوكوست الأمريكي.

ما يميز تجربة الخوذ البيضاء أنها كانت محل ثقة واسعة لدى المدنيين في مناطق المعارضة، وتمتعت ببنية تنظيمية متماسكة قوامها فرق ميدانية مستقلة في كل مدينة، تعمل ضمن قيادة مركزية واضحة في شمال سوريا. كما تميزت بسهولة التواصل بين أعضائها وامتلاكها معدات وآليات ثقيلة مكنتها من إنقاذ الأرواح وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض بسرعة وكفاءة.

أما في المقابل، فإن غرف طوارئ السودان تعاني من تباين واضح في مستوى الثقة بين المكونات المختلفة، حيث تتأثر هذه الثقة بالولاءات المحلية والإثنية للأفراد.

فالقيادة المركزية او )مجلس التنسيق) غير معروفة على نطاق واسع للجان المحلية، ولا توجد قنوات تواصل مؤسسية تربطها بها، بل يقتصر التواصل غالبًا على العلاقات الشخصية والمجاملات الفردية.

كما يفتقر تكوينها إلى الشفافية في اختيار الهيئات القيادية، وعلى راسها )مجلس التنسيق) إذ طغى عليه طابع (الشلة) وشبكات المصالح التي تميل أحيانًا إلى أحد طرفي الصراع أو إلى جهات مانحة خارجية.

وقد انعكس ذلك على طريقة إدارة الموارد والخدمات، حيث تُتَّهم بعض القيادات المقيمة خارج السودان بتوزيع الأموال القادمة من صندوق دعم السودان عبر منظمات الأمم المتحدة في نفقات خاصة، مثل إيجارات الشقق والسفر والمشروبات، ما أضعف مصداقية التقارير المالية والميدانية.

إن مواجهة هذه المشكلات تتطلب شجاعة في النقد الذاتي وإرادة حقيقية للإصلاح. فإعادة بناء غرف الطوارئ على أسس مهنية وشفافة، وربطها بقواعد بيانات واضحة وأطر مؤسسية معروفة، هو الطريق نحو استعادة الثقة وتحقيق العدالة في العمل الإنساني.

ولعل الاستفادة من تجربة الخوذ البيضاء، بما تحمله من قيم التنظيم والالتزام والوضوح، تمثل الخطوة الأولى نحو تأسيس نموذج سوداني أكثر نضجًا وفعالية في خدمة الإنسان، بعيدًا عن الولاءات الضيقة والانقسامات.

تبحث عن الحقيقة؟

إشترك في مجلتنا الإخبارية ليصلك كل جديد